Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 19-20)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين ، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أُخرى ، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم ( كصيِّب ) والصيب : المطر نزل من السماء في حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق ، و ( رعد ) : وهو ما يزعج القلوب من الخوف ، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } [ المنافقون : 4 ] ، وقال : { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } [ التوبة : 56 - 57 ] . و ( البرق ) : هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان ، ولهذا قال : { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ } أي ولا يجدي عنهم حذرهم شيئاً لأن الله محيط بهم بقدرته ، وهم تحت مشيئته وإرادته ، كما قال : { هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ * وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } [ البروج : 17 - 20 ] أي بهم ، ثم قال : { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي لشدته وقوته في نفسه وضعف بصائرهم وعدم ثباتها للإيمان . قال ابن عباس : { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي لشدة ضوء الحق { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه ، وتارة تعرض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين . وعن ابن عباس : يعرفون الحق ويتكلمون به ، فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا : أي متحيرين . وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم ، فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ وأكثر من ذلك وأقل من ذلك ، ومنهم من يطفأ نوره تارة ويضيء أُخرى ، ومنهم من يمشي على الصراط تارة ويقف أخرى ، ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخُلَّص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم : { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } [ الحديد : 13 ] . وقال في حق المؤمنين : { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ الحديد : 12 ] الآية . وقال تعالى : { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ التحريم : 8 ] . وقوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } ، قال : لما تركوا من الحق بعد معرفته ، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } : أي إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير . وقال ابن جرير : إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط ، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير . ومعنى ( قدير ) قادر كما معنى ( عليم ) عالم . وذهب ابن جرير ومن تبعه من كثير من المفسرين إلى أن هذين المَثَلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين . وتكون ( أو ) في قوله تعالى : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } بمعنى الواو ، كقوله تعالى : { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } [ الإنسان : 24 ] ، أو تكون للتخيير . أي اضرب لهم مثلاً بهذا وإن شئت بهذا . قال القرطبي : أو للتساوي مثل جالس الحسن أو ابن سيرين ، ووجَّهه الزمخشري بأن كلاً منهما مساو للآخر في إباحة الجلوس إليه ويكون معناه على قوله : سواء ضربت لهم مثلاً بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم . ( قلت ) : وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات ، كما ذكرها الله تعالى في سورة ( براءة ) - ومنهم - ومنهم - ومنهم - يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال ، فجعلُ هذين المثلين لصنفين منهم أشدُّ مطابقة لأحوالهم وصفاتهم والله أعلم ، كما ضرب المثلين في سورة ( النور ) لصنفي الكفّار الدعاة والمقلدين ، وفي قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } [ النور : 39 ] ، إلى أن قال : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ } [ النور : 40 ] الآية . فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب ، والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين ، والله أعلم بالصواب .