Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 200-202)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى بذكره والإكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها . وقوله : { كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ } اختلفوا في معناه فقال عطاء : هو كما يلهج الصبي بذكر أبيه وأمه ، فكذلك أنتم فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك . وقال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم ، فيقول الرجل منهم : كان أبي يطعم ، ويحمل الحمالات ، ويحمل الديات ، ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم ، فأنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم : { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } ، والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عزّ وجلّ ، و ( أو ) هٰهنا لتحقيق المماثلة في الخبر كقوله : { فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [ البقرة : 74 ] ، فليست هٰهنا للشك قطعاً وإنما هي لتحقيق المخبر عنه كذلك أو أزيد منه . ثم إنه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره فإنه مظنة الإجابة ، وذم من لا يسأله إلا في أمر دنياه وهو معرض عن أخراه فقال : { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } أي من نصيب ولا حظ ، وتضمَّنَ هذا الذم التنفير عن التشبه بمن هو كذلك ، قال ابن عباس : كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون : اللهم اجعله عام غيث ، وعام خصب ، وعام ولاد حسن ، لا يذكرون من أمر الآخرة شيئاً ، فانزل الله فيهم : { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } ولهذا مدح من يسأله الدنيا والأُخرى ، فقال : { وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } ، فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا وصرفت كل شر ، فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ، ودار رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ومركب هين ، وثناء جميل ، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين ولا منافاة بينها ، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا . وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة ، وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات ، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة ، وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام ، وترك الشبهات والحرام ، وقال القاسم أبو عبد الرحمٰن : من أعطي قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وجسداً صابراً فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، ووقي عذاب النار . ولهذا وردت السنّة بالترغيب في هذا الدعاء . فقال البخاري عن أنس بن مالك : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ، وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها ، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه . وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد صار مثل الفرخ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل تدعو الله بشيء أو تسأله إياه ؟ قال : نعم ، كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجَّله لي في الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله لا تطيقه أو لا تستطيعه ، فهلا قلت : { رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } ، قال : فدعا الله فشفاه " .