Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 238-239)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها ، وحفظ حدودها وأدائها في أوقاتها ، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أي العمل أفضل ؟ قال : " الصلاة في وقتها " ، قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " ، قلت : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين " ، وفي الحديث : " إن أحب الأعمال إلى الله تعجيل الصلاة لأول وقتها " وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد ( الصلاة الوسطى ) وقد اختلف السلف والخلف فيها أي صلاة هي ؟ فقيل : ( الصبح ) حكاه مالك لما روي عن ابن عباس أنه صلى الغداة في مسجد البصرة فقنت قبل الركوع وقال : هذه الصلاة الوسطى التي ذكرها الله في كتابه فقال : { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } ، وهو الذي نص عليه الشافعي رحمه الله محتجاً بقوله تعالى : { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } والقنوت عنده في صلاة الصبح ، ومنهم من قال : هي وسطى باعتبار أنها لا تقصر وهي بين صلاتين رباعيتين مقصورتين . وقيل : إنها ( صلاة الظهر ) . روي عن زيد بن ثابت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت : { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } ، وقيل : إنها ( صلاة العصر ) وهو قول أكثر علماء الصحابة وجمهور التابعين . قال الإمام أحمد بسنده عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم ناراً " ثم صلاها بين العشاءين المغرب والعِشاء ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله " ، وفي الصحيح أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " وعن أبي يونس مولى عائشة قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً قالت : إذا بلغت هذه الآية { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } فآذني ، فلما بلغتها آذنتها ، فأملت عليَّ : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين } قالت : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل : إن الصلاة الوسطى هي صلاة المغرب . وقيل : بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس . وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها ، وقد ثبتت السنة بأنها العصر فتعيَّن المصير إليها . وقوله تعالى : { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } أي خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه ، وهذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة لمنافاته إياها ، ولهذا لما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الرد على ( ابن مسعود ) حين سلم عليه وهو في الصلاة قال : " إن في الصلاة لشغلاً " ، وفي صحيح مسلم : " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله " وقال الإمام أحمد بن حنبل عن زيد بن أرقم قال : كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية : { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } فأمرنا بالسكوت . وقوله تعالى : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } لما أمر تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات والقيام بحدودها ، وشدد الأمر بتأكيدها ذكر الحال الذي يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه الأكمل ، وهي حال القتال والتحام الحرب فقال : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } أي فصلُّوا على أي حال كان رجالاً أو ركباناً ، يعني مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، كما قال مالك عن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً على أقدامهم أو ركباناً مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها . قال نافع : لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من رخص الله التي رخص لعباده ووضعه الآصار والأغلال عنهم ، وقد روي عن ابن عباس قال : في هذه الآية يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه . وقد ذهب الإمام أحمد فيما نص عليه إلى أن صلاة الخوف تفعل في بعض الأحيان ركعة واحدة إذا تلاحم الجيشان ، وعلى ذلك ينزل الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة ، واختار هذا القول ابن جرير ، وقال البخاري : ( باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو ) ، وقال الأوزاعي : إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء كل امرىء لنفسه فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال ويأمنوا فيصلُّوا ركعتين ، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين ، فإن لم يقدروا لا يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا ، وقال أَنس بن مالك : حضرت مناهضة ( حصن تستر ) عند إضاءة الفجر ، واشتد اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلاة ، فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا ، قال أنَس : وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها . وهذا يدل على اختيار البخاري لهذا القول ، والجمهور على خلافه ويعولون على أن صلاة الخوف على الصفة التي ورد بها القرآن في سورة النساء ، والله أعلم . وقوله تعالى : { فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } أي أقيموا صلاتكم كما أمرتم فأتموا ركوعها وسجودها ، وقيامها وقعودها وخشوعها وهجودها { كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } أي مثل ما أنعم عليكم وهداكم للإيمان ، وعلمكم ما ينفعكم في الدنيا والآخرة ، فقابلوه بالشكر والذكر ، كقوله بعد ذكر صلاة الخوف : { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } [ النساء : 103 ] ، وستأتي الأحاديث الواردة في صلاة الخوف وصفاتها في سورة النساء عند قوله تعالى : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ } [ الآية : 102 ] إن شاء الله تعالى .