Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 243-245)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روي عن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف وعنه كانوا ثمانية آلاف ، وقال وهب بن منبه : كانوا بضعة وثلاثين ألفاً ، قال ابن عباس : كانوا أربعة آلاف خرجوا فراراً من الطاعون ، قالوا : نأتي أرضاً ليس بها موت ، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم : { مُوتُواْ } ، فمرّ عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم فذلك قوله عزّ وجلّ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } الآية ، وذكر غير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل استوخموا أرضهم ، وأصابهم بها وباء شديد فخرجوا فراراً من الموت هاربين إلى البرية ، فنزلوا وادياً أفيح فملأوا ما بين عدوتيه ، فأرسل الله إليهم ملكين أحدهما من أسفل الوادي ، والآخر من أعلاه ، فصاحا بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد فحيزوا إلى حظائر وبني عليهم جدران ، وفنوا وتمزقوا وتفرقوا ، فلما كان بعد دهر مرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له ( حزقيل ) فسأل الله أن يحييهم على يديه فأجابه إلى ذلك وأمره أن يقول : أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي ، فاجتمع عظام كل جسد بعضها إلى بعض ، ثم أمره فنادى : أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحماً وعصباً وجلداً ، فكان ذلك وهو يشاهد ، ثم أمره فنادى : أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره ، فقاموا أحياء ينظرون ، قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة وهم يقولون : سبحانك لا إلٰه إلا أنت . وكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة ولهذا قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة والدلالات الدامغة { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } أي لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم . وفي هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغني حذر من قدر ، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه ، فإن هؤلاء خرجوا فراراً من الوباء طلباً لطول الحياة ، فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعاً في آن واحد ، وقوله : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي كما أن الحذر لا يغني من القدر ، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلاً ولا يبعده ، بل الأجل المحتوم والرزق المقسوم مقدر مقنن لا يزاد فيه ولا ينقص منه كما قال تعالى : { قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ آل عمران : 168 ] ، وقال تعالى : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [ النساء : 78 ] ، وروينا عن أمير الجيوش وسيف الله المسلول على أعدائه خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال وهو في سياق الموت : ( لقد شهدت كذا وكذا موقفاً وما من عضو من أعضائي إلا وفيه رمية أو طعنة أو ضربة وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء ) يعني أنه يتألم لكونه ما مات قتيلاً في الحرب ، ويتأسف على ذلك ويتألم أن يموت على فراشه . وقوله تعالى : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } يحث تعالى عباده على الإنفاق في سبيل الله ، وقد كرر تعالى هذه الآية في كتابه العزيز في غير موضع ، وفي حديث النزول أنه يقول تعالى : " من يقرض غير عديم ولا ظلوم " ، وعن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله وإن الله عزّ وجلّ ليريد منا القرض ؟ قال : " نعم يا أبا الدحداح " قال : أرني يدك يا رسول الله ! قال ، فناوله يده قال : فإني قد أقرضت ربي عزّ وجلّ حائطي - قال : وحائط له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها - قال : فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح ، قالت : لبيك ، قال : اخرجي فقد أقرضته ربي عزّ وجلّ . وقوله : { قَرْضاً حَسَناً } روي عن عمر وغيره من السلف هو النفقة في سبيل الله ، وقيل : هو النفقة على العيال ، وقيل : هو التسبيح والتقديس وقوله : { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } كما قال تعالى : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } [ البقرة : 261 ] الآية ، وسيأتي الكلام عليها . وعن ابن عمر قال " لما نزلت : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ } إلى آخرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رب زد أمتي " ، فنزلت : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } ، قال : " رب زد أمتي " ، فنزلت : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } " ، فالكثير من الله لا يحصى ، وقوله : { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } أي أنفقوا ولا تبالوا فالله هو الرزاق يضيق على من يشاء من عباده في الرزق ويوسعه على آخرين ، له الحكمة البالغة في ذلك { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي يوم القيامة .