Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 255-255)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه آية الكرسي ولها شأن عظيم ، وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل آية في كتاب الله . قال الإمام أحمد : عن أُبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله : " " أي آية في كتاب الله أعظم ؟ " قال : الله ورسوله أعلم ، فرددها مراراً ، ثم قال : آية الكرسي ، قال : " ليهنك العلم أبا المنذر ! والذي نفسي بيده إن لها لساناً وشفتين ، تقدس الملك عند ساق العرش " " . ( حديث آخر ) : عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل رجلاً من صحابته فقال : " " أي فلان هل تزوجت ؟ " قال : لا ، وليس عندي ما أتزوج به ، قال : " أوليس معك : قل هو الله أحد ؟ " قال : بلى ، قال : " ربع القرآن " قال : " أليس معك : قل أيها الكافرون " ؟ قال : بلى ، قال : " ربع القرآن " قال : " أليس معك : إذا زلزلت ؟ " قال : بلى ، قال : " ربع القرآن " ، قال : " أليس معك : إذا جاء نصر الله ؟ " قال : بلى ، قال : " ربع القرآن " قال : " أليس معك آية الكرسي : الله لا إلٰه إلا هو ؟ " قال : بلى ، قال : " ربع القرآن " " . حديث آخر : عن أبي ذر رضي الله عنه قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال : " يا أبا ذر هل صلّيت ؟ " قلت : لا ، قال : " قم فصل " ، قال : فقمت فصليت ثم جلست فقال : " يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن " قال ، قلت : يا رسول الله أو للإنس شياطين ؟ قال : " نعم " ، قال : قلت : يا رسول الله الصلاة ! قال : " خير موضوع من شاء أقلَّ ومن شاء أكثر " قال ، قلت : يا رسول الله فالصوم ؟ قال : " فرض مجزي وعند الله مزيد " ، قلت : يا رسول الله فالصدقة ، قال : " أضعاف مضاعفة " ، قلت : يا رسول الله فأيها أفضل ، قال : " جهد من مقل ، أو سرٌّ إلى فقير " ، قلت : يا رسول الله أي الأنبياء كان أول ، قال : " آدم " ، قلت : يا رسول الله ونبي كان ، قال : " نعم نبي مكلم " ، قلت : يا رسول الله كم المرسلون ، قال : " ثلثمائة وبضعة عشر جماً غفيراً " وقال مرة : " وخمسة عشر " ، قلت : يا رسول الله أي ما أنزل عليك أعظم ؟ قال : " آية الكرسي : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } " . حديث آخر : وقد ذكر البخاري في فضل آية الكرسي بسنده عن أبي هريرة ، قال : " وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : دعني فإني محتاج وعليَّ عيال ولي حاجة شديدة ، قال : فخليت عنه ، فأصبحت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة " ؟ قال ، قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدةً وعيالاً فرحمته وخليت سبيله ، قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه سيعود " فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ، لا أعود ، فرحمته وخليت سبيله ، فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة " ؟ قلت : يا رسول الله شكا حاجة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله ، قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " ، فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود . فقال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت : وما هي ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فعل أسيرك البارحة " ؟ قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال : " ما هي " ؟ قال : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } ، وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه صدقك وهو كذوب . تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ " قلت : لا , قال : " ذاك شيطان " " . حديث آخر : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سورة البقرة فيها آيةٌ سيدةُ آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه : آية الكرسي " وقد رواه الترمذي ولفظه : " لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن : آية الكرسي " . حديث آخر : عن عمر بن الخطاب أنه خرج ذات يوم إلى الناس وهم سماطات فقال : أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن ؟ فقال ابن مسعود : على الخبير سقطت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أعظم آية في القرآن { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } " . حديث آخر : في اشتماله على اسم الله الأعظم ، عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } و { الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } : " إن فيهما اسم الله الأعظم " " . حديث آخر : عن أبي أمامة يرفعه قال : " اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث : سورة البقرة وآل عمران وطه " ، وقال هشام : أما البقرة فـ { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } وفي آل عمران { الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [ آل عمران : 1 - 2 ] وفي طه : { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } [ طه : 111 ] . حديث آخر : عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت " . حديث آخر : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرا حم المؤمن إلى { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } وآية الكرسي حين يصبح حُفِظ بهما حتى يمسي ، ومن قرأهما حين يمسي حُفِظ بهما حتى يصبح " . وقد ورد في فضلها أحاديث أخر تركناها اختصاراً لعدم صحتها وضعف أسانيدها . وهذه الآية مشتملة على عشر جمل مستقلة فقوله تعالى : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إخبار بأنه المتفرد بالإلٰهية لجميع الخلائق ، { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } أي الحي في نفسه الذي لا يموت أبداً ، القيم لغيره ، وكان عمر يقرأ { القيَّام } فجميع الموجودات مفتقرة إليه وهو غني عنها ، ولا قوام لها بدون أمره ، كقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ } [ الروم : 25 ] ، وقوله : { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } أي لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه ، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت ، شهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا يخفى عليه خافية ، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم . فقوله : { لاَ تَأْخُذُهُ } أي لا تغلبه { سِنَةٌ } وهي الوسن والنعاس ، ولهذا قال : { وَلاَ نَوْمٌ } لأنه أقوى من السِّنة . وفي الصحيح عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال : " إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه يُرْفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل ، وعمل الليل قبل عمل النهار ، حجابه النور أو النار ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " وعن ابن عباس أن بني إسرائيل قالوا : يا موسى هل ينام ربك ؟ قال : اتقوا الله ، فناداه ربه عزّ وجلّ : يا موسى سألوك هل ينام ربك ؟ خذ زجاجتين في يديك فقم الليلة ، ففعل موسى ، فلما ذهب من الليل ثلث نعس فوقع لركبتيه ، ثم انتعش فضبطهما حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا ، فقال : يا موسى لو كنت أنام لسقطت السماوات والأرض فهلكت ، كما هلكت الزجاجتان في يديك ، فأنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه صلى الله عليه وسلم آية الكرسي . وقوله تعالى : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه كقوله : { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] . وقوله تعالى : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ، كقوله : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } [ النجم : 26 ] ، وكقوله : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [ الأنبياء : 28 ] ، وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عزّ وجلّ ، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة كما في حديث الشفاعة : " آتي تحت العرش فأخر ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقال : إرفع رأسك وقل تسمع ، واشفَع تشفع - قال - فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة " . وقوله تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، كقوله إخباراً عن الملائكة : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [ مريم : 64 ] . وقوله تعالى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } أي لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عزّ وجلّ وأطلعه عليه ، ويحتمل أن يكون المراد لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه كقوله : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] . وقوله تعالى : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } ، عن ابن عباس قال : علمه ، وقال آخرون : الكرسي موضع القدمين . عن ابن عباس قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله عزّ وجلّ : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } قال : " كرسيه موضع قدميه ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عزّ وجلّ " وقال السدي : الكرسي تحت العرش . وقال الضحاك عن ابن عباس : لو أن السماوات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعة الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس " قال ، قال أبو ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض " . وعن أبي ذر الغفاري أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ما السماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة " ، وعن عمر رضي الله عنه قال : أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة . قال : فعظم الرب تبارك وتعالى ، وقال : " إن كرسيه وسع السماوات والأرض وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد من ثقله " ، وعن الحسن البصري ، أنه كان يقول : الكرسي هو العرش ، والصحيح أن الكرسي غير العرش والعرش أكبر منه كما دلت على ذلك الآثار والأخبار . وقوله تعالى : { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } أي لا يثقله ولا يُعجزه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما ، بل ذلك سهل عليه يسير لديه ، وهو القائم على كل نفس بما كسبت ، الرقيب على جميع الأشياء فلا يعزب عنه شيء ، ولا يغيب عنه شيء ، والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه ، محتاجة فقيرة ، وهو الغني الحميد ، الفعّال لما يريد الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، وهو القاهر لكل شيء ، الحسيب على كل شيء ، الرقيب العلي العظيم ، لا إلٰه غيره ولا رب سواه . فقوله : { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ } ، كقوله وهو : { ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } [ الرعد : 9 ] وهذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح أمرارها كما جاءت من غير تكيف ولا تشبيه .