Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 258-258)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا الذي حاج إبراهيم في ربه هو ملك بابل ( نمرود بن كنعان ) ، قال مجاهد : ملك الدنيا مشارقها ومغاربها أربعة : مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان ( سليمان بن داود ) و ( ذو القرنين ) والكافران ( نمرود ) و ( بختنصر ) ، والله أعلم . ومعنى قوله : { أَلَمْ تَرَ } أي بقلبك يا محمد { إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } أي وجود ربه ، وذلك أنه أنكر أن يكون ثم إلٰه غيره ، كما قال بعده فرعون لملئه : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] ، وما حمله على هذا الطغيان والكفر والغليظ والمعاندة الشديدة إلا تجبره وطول مدته في الملك ، وذلك أنه يقال : إنه مكث أربعمائة سنة في ملكه ، قال : { أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } ، وكان طلب من إبراهيم دليلاً على وجود الرب الذي يدعو إليه ، فقال إبراهيم : { رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أي إنما الدليل على وجوده حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها وعدمها بعد وجودها ، وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ، ضرورة لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها ، وهو الرب الذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له . فعند ذلك قال المحاج - وهو النمرود - : { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ } ، قال قتادة : وذلك أني أوتي بالرجلين استحقا القتل فآمر بقتل أحدهما فيقتل ، وآمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل ، فذلك معنى الإحياء والإماتة ، والظاهر - والله أعلم - أنه ما أراد هذا لأنه ليس جواباً لما قال إبراهيم ولا في معناه لأنه غير مانع لوجود الصانع ، وإنما أراد أن يدعي لنفسه هذا المقام عناداً ومكابرة ويوهم أنه الفاعل لذلك ، وأنه الذي يحيي ويميت كما اقتدى به فرعون في قوله : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] ، ولهذا قال له إبراهيم لما ادعى هذه المكابرة : { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ } أي إذا كنت كما تدعي من أنك تحيي وتميت فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود ، في خلق ذواته وتسخير كواكبه وحركاته ، فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق فإن كنت إلٰهاً كما ادعيت تحيي وتميت فأت بها من المغرب ؟ فلما علم عجزه وانقطاعه وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام بهت ، أي أخرس فلا يتكلم وقامت عليه الحجة ، قال الله تعالى : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أي لا يلهمهم حجة ولا برهاناً بل حجتهم داحضة عند ربهم ، وعليهم غضب ولهم عذاب شديد . وقد ذكر السدي أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم ونمرود بعد خروج إبراهيم من النار ، ولم يكن اجتمع بالملك إلا في ذلك اليوم فجرت بينهما هذه المناظرة ، وروى زيد بن أسلم أن النمرود كان عنده طعام وكان الناس يغدون إليه للميرة ، فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة فكان بينهما هذه المناظرة ، ولم يعط إبراهيم من الطعام كما أعطى الناس ، بل خرج وليس معه شيء من الطعام ، فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملأ منه عدليه ، وقال : أشغل أهلي عني إذا قدمت عليهم ، فلما قدم وضع رحاله وجاء فاتكأ فنام ، فقامت امرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعاماً طيباً ، فعملت طعاماً ، فلما استيقظ إبراهيم وجد الذي قد أصلحوه فقال : أنى لكم هذا ؟ قالت : من الذي جئت به ، فعلم أنه رزق رزقهم الله عزّ وجلّ . قال زيد بن أسلم : وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه ، ثم دعاه الثانية فأبى ثم الثالثة فأبى وقال : اجمع جموعك وأجمع جموعي ، فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس وأرسل الله عليهم باباً من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس ، وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم ، وتركتهم عظاماً بادية ، ودخلت واحدة منها في منخري الملك ، فمكثت في منخري الملك أربعمائة سنة عذبه الله بها ، فكان يضرب رأسه بالمرازب في المدة حتى أهلكه الله بها .