Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 272-274)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عن ابن عباس قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فرخص لهم فنزلت هذه الآية : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } الآية وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلاّ على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } إلى آخرها ، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين . وقوله تعالى : { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } ، كقوله : { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ } [ فصلت : 46 ، الجاثية : 15 ] ونظائرها في القرآن كثيرة ، وقوله : { وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ } ، قال الحسن البصري : نفقة المؤمن لنفسه ، ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله . وقال عطاء الخراساني : يعني إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله ، وهذا معنى حسن ، وحاصله : أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجره على الله ، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب : أَلبِرّ أو فاجر ، أو مستحق أو غيره ، وهو مثاب على قصده ، ومستند هذا تمام الآية : { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } ، والحديث المخرج في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبح الناس يتحدثون : تُصُدِّق على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد على زانية ! لأتصدقن الليلة بصدقة ، فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدثون : تُصدق على غني ، قال : اللهم لك الحمد على غني ! لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على سارق فقال : اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق ، فأُتي فقيل له : أما صدقتك فقد قُبلت ، وأما الزانية فلعلها أن تستعفف بها عن زنا ، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته " . وقوله تعالى : { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني المهاجرين الذين قد انقطعوا إلى الله وإلى رسوله وسكنوا المدينة ، وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم ، و { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ } يعني سفراً للتسبب في طلب المعاش . والضرب في الارض : هو السفر . قال الله تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ } [ النساء : 101 ] ، وقال تعالى : { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } [ المزمل : 20 ] الآية . وقوله تعالى : { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } أي الجاهل بأمرهم وحالهم ، يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم ، وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين بهذا الطوّاف التي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، والأكلة والأكلتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه ، ولا يسأل الناس شيئاً " . وقوله تعالى : { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } : أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم ، كما قال تعالى : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ } [ الفتح : 29 ] ، قال : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } [ محمد : 30 ] . وفي الحديث : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ، ثم قرأ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } [ الحجر : 75 ] . وقوله تعالى : { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } أي لا يلحون في المسألة ، ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه ، فإن من سأل وله ما يغنيه عن المسألة فقد ألحف في المسألة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، ولا اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف . اقرأوا إن شئتم : يعني قوله : { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } " وقال الإمام أحمد عن رجل من مزينة ، أنه قالت له أمه : ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يسأله الناس ، فانطلقت أسأله فوجدته قائماً يخطب ، وهو يقول : " ومن استعف أعفه الله ، ومن استغنى أغناه الله ، ومن يسأل الناس وله عدل خمس أواق فقد سأل الناس إلحافاً " ، فقلت بيني وبين نفسي لنا ناقة لهي خير من خمس أواق ، ولغلامه ناقة أخرى فهي خير من خمس أواق ، فرجعت ولم أسأل . وعن عبد الله بن مسعود قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو كدوحاً في وجهه " . قالوا : يا رسول الله وما غناه ؟ قال : " خمسون درهماً أو حسابها من الذهب " " وقوله : { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي لا يخفى عليه شيء منه ، وسيجزى عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه . وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ، هذا مدح منه تعالى للمنفقين في سبيله وابتغاء مرضاته ، في جميع الأوقات من ليل أو نهار ، والأحوال من سر وجهر ، حتى إن النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضاً كما ثبت في الصحيحين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص حين عاده مريضاً عام الفتح ، وفي رواية عام حجة الوداع : " وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى ما تجعل في في امرأتك " وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة " ؟ . وقال ابن جبير عن أبيه : كان لعلي أربعة دراهم فأنفق درهماً ليلاً ودرهماً نهاراً ، ودرهماً سراً ودرهماً علانية ، فنزلت : { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } . وقوله : { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } أي يوم القيامة على ما فعلوا من الإنفاق في الطاعات ، { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } تقدم تفسيره .