Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-30)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى بامتنانه على بني آدم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم بقوله : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ } أي واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة واقصص على قومك ذلك ، { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن ، وجيلاً بعد جيل ، كما قال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } [ الأنعام : 165 ] وقال : { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } [ النمل : 62 ] ، وقال : { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } [ الزخرف : 60 ] وليس المراد هٰهنا بالخليفة آدم عليه السلام فقط كما يقوله طائفة من المفسرين ، إذ لو كان ذلك لما حسن قول الملائكة : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } فإنهم أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك ، وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص ، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية ، فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من { صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [ الحجر : 26 ] أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم ( قاله القرطبي ) . أو أنهم قاسوهم على من سبق كما سنذكر أقوال المفسرين في ذلك . وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله ، ولا على وجه الحسد لبني آدم كما قد يتوهمه بعض المفسرين ، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول أي لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه ، وهٰهنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقاً وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها فقالوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } ؟ الآية . وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك ، يقولون : يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء ، مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء ؟ فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك أي نصلّي لك ولا يصدر منا شيء من ذلك ، وهلا وقع الاقتصار علينا ؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال : { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ، أي إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم ، فإني سأجعل فيهم الأنبياء ، وأرسل فيهم الرسل ، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون ، والعُبَّاد والزهاد ، والأولياء والأبرار ، والمقربون ، والعلماء العاملون ، والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى ، المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم . وقيل : معنى قوله تعالى : { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } إني لي حكمة مفصلة في خلق هؤلاء والحالة ما ذكرتم لا تعلمونها ، وقيل : إنه جواب { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ، فقال : { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي من وجود إبليس بينكم وليس هو كما وصفتم أنفسكم به . وقيل : بل تضمن قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ، طلباً منهم أن يسكنوا الأرض بدل بني آدم ، فقال الله تعالى لهم : { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من أن بقاءكم في السماء أصلح لكم وأليق بكم . ذكرها الرازي مع غيرها من الأجوبة والله أعلم . ( ذكر أقوال المفسرين ) . قال السدي في تفسيره : إن الله تعالى قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا : ربنا وما يكون ذاك الخليفة ؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ، ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضاً . قال ابن جرير : وإنما معنى الخلافة التي ذكرها الله إنما هي خلافة قرن منهم قرناً . والخليفة الفعلية من قولك : خلف فلان فلاناً في هذا الأمر ، إذا قام مقامه فيه بعده ، كما قال تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [ يونس : 14 ] . ومن ذلك قيل للسلطان الأعظم خليفة ، لأنه خلف الذي كان قبله فقام بالأمر فكان منه خلفاً . قال ابن جرير عن ابن عباس : إن أول من سكن الأرض الجن ، فأفسدوا فيها ، وسفكوا فيها الدماء ، وقتل بعضهم بعضاً . قال : فبعث الله إليهم إبليس ، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ثم خلق آدم فأسكنه إياها ، فلذلك قال : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } . وقال الحسن : إن الجن كانوا في الأرض يفسدون ويسفكون الدماء ، ولكن جعل الله في قلوبهم أن ذلك سيكون ، فقالوا بالقول الذي علمهم . وقال قتادة في قوله : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } : كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق افسدوا فيها وسفكوا الدماء ، فذلك حين قالوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } ؟ . قال ابن جرير : وقال بعضهم إنما قالت الملائكة ما قالت : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } لأن الله أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم ، فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها : وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم ؟ فأجابهم ربهم { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ، يعني أن ذلك كائن منهم ، وإن لم تعلموه أنتم ومن بعض ما ترونه لي طائعاً ، قال ، وقال بعضهم ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموا من ذلك ، فكأنهم قالوا : يا رب خبرنا - مسألة استخبار منهم لا على وجه الإنكار - واختاره ابن جرير . وقوله تعالى : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ، قال قتادة : التسبيح والتقديس الصلاة ، وقال السدي عن ابن عباس { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } : نصلي لك . وقال مجاهد { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ، قال : نعظمك ونكبرك . وقال ابن جرير : التقديس هو التعظيم والتطهير . ومنه قولهم : سبوح قدوس ، يعني بقولهم سبوح تنزيه له ، وبقولهم قدوس طهارة وتعظيم له ، وكذلك قيل للأرض : أرض مقدسة ، يعني بذلك المطهرة ، فمعنى قول الملائكة إذن { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } : ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهل الشرك بك ، { وَنُقَدِّسُ لَكَ } ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس وما أضاف إليك أهل الكفر بك . عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل ؟ قال : " ما اصطفى الله لملائكته : سبحان الله وبحمده " وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحاً في السماوات العلا " سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى " { قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . قال قتادة : فكان في علم الله أنه سيكون في تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة . وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة ، ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ، ويقطع تنازعهم وينتصر لمظلومهم من ظالمهم ، ويقيم الحدود ، ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا تمكن إقامتها إلا بالإمام ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . والإمامة تنال بالنص كما يقوله طائفة من أهل السنّة في أبي بكر . أو بالإيماء إليه كما يقول آخرون منهم ، أو باستخلاف الخليفة آخر بعده كما فعل الصدّيق بعمر بن الخطاب ، أو بتركه شورى في جماعة صالحين كذلك كما فعله عمر ، أو باجتماع أهل الحل والعقد على مبايعته أو بمبايعة واحد منهم له ، فيجب التزامها عند الجمهور ، وحكى على ذلك إمام الحرمين الإجماع ، والله أعلم . ويجب أن يكون ذكراً ، حراً ، بالغاً ، عاقلاً ، مسلماً ، عدلاً ، مجتهداً ، بصيراً ، سليم الأعضاء ، خبيراً بالحروب والآراء ، قرشياً على الصحيح ؛ ولا يشترط الهاشمي ولا المعصوم من الخطأ خلافاً للغلاة والروافض . ولو فسق الإمام هل ينعزل أم لا ؟ فيه خلاف ، والصحيح أنه لا ينعزل لقوله عليه الصلاة والسلام : " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان " ، فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر فلا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام : " من جاءكم وأمْرُكم جَميعٌ يريد أن يفرِّق بينكم فاقتلوه كائناً من كان " وهذا قول الجمهور .