Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 31-33)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا مقامٌ ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة ، بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم ، وهذا كان بعد سجودهم له ، وإنما قدم هذا الفصل على ذاك لمناسبة ما بين هذا المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة ، حين سألوا عن ذلك فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون ، ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبيّن لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم ، فقال تعالى : { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } قال السدي عن ابن عباس : { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } علمه أسماء ولده إنساناً إنساناً ، والدواب فقيل هذا الحمار ، هذا الجمل ، هذا الفرس . وقال الضحاك عن ابن عباس { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } قال : هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ، ودواب ، وسماء ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وخيل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها . وقال مجاهد { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } : علمه اسم كل دابة ، وكل طير ، وكل شيء ، وكذلك روي عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من السلف أنه علمه أسماء كل شيء . والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها ذواتها وصفاتها وأفعالها ، ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية عن أَنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلَّمك أسماء كل شيء ، فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا " الحديث . فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات ولهذا قال : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلاَئِكَةِ } يعني المسميات { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ، قال مجاهد : ثم عرض أصحاب الأسماء على الملائكة . وقال ابن جرير عن الحسن وقتادة قالا : علَّمه اسم كل شيء ، وجعل يسمي كل شيء باسمه وعرضت عليه أمة أمة ، وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله تعالى : { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . وقال السدي { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء . { قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } هذا تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء ، وأن يعلموا شيئاً إلا ما علمهم الله تعالى ولهذا قالوا : { سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } أي العليمُ بكل شيء ، الحكيمُ في خلقك وأمرك ، وفي تعليمك ما تشاء ومنعك ما تشاء ، لك الحكمة في ذلك والعدل التام . عن ابن عباس { سُبْحَانَ ٱللَّهِ } قال : تنزيه الله نفسه عن السوء . قوله تعالى : { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } : لما ظهر فضل آدم عليه السلام على الملائكة عليهم السلام في سرده ما علمه الله تعالى من أسماء الأشياء ، قال الله تعالى للملائكة : { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أي ألم أتقدم إليكم إني أعلم الغيب الظاهر والخفي ، كما قال تعالى : { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } [ طه : 7 ] ، وكما قال إخباراً عن الهدهد أنه قال لسليمان : { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [ النمل : 25 ] ، وعن ابن عباس { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } : أعلم السر كما أعلم العلانية ، يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار . وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنَس { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } فكان الذي أبدوا هو قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } [ البقرة : 30 ] وكان الذي كتموا بينهم هو قولهم : لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم . فعرفوا أن الله فضّل عليهم آدم في العلم والكرم . وقال ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس ، وهو أن معنى قوله تعالى : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } : وأعلم مع علمي غيب السماوات والأرض ما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون في أنفسكم فلا يخفى علي شيء سواء عندي سرائركم وعلانيتكم . والذي أظهروه بألسنتهم قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ، والذي كانوا يكتمون ما كان عليه منطوياً إبليس من الخلاف على الله في أوامره والتكبر عن طاعته ، قال : وصح ذلك كما تقول العرب : قتل الجيش وهزموا ، وإنما قتل الواحد أو البعض وهزم الواحد أو البعض ، فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم ، كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } [ الحجرات : 4 ] ذُكِرَ أن الذي نادى إنما كان واحداً من بني تميم ، قال وكذلك قوله : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } .