Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 35-36)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يبين الله تعالى إخباراً عما أكرم به آدم ، بعد أن أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس أنه أباحه الجنة يسكن منها حيث يشاء ويأكل منها ما شاء ( رغداً ) أي هنيئاً واسعاً ، طيباً . وقد اختلف في الجنة التي أسكنها آدم هي في السماء أم في الأرض ؟ فالأكثرون على الأول ، وحكى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض ، وسيأتي تقرير ذلك في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى ، وسياق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة ، ويقال : إن خلق حواء كان بعد دخول الجنة كما قال السدي في خبر ذكره عن ابن عباس وعن ناس من الصحابة " أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة ، فكان يمشي فيها وحيداً ليس له زوج يسكن إليه ، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها : ما أنت ؟ قالت : امرأة ، قال : ولم خلقت ؟ قالت : لتسكن إليّ ، قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه : ما اسمها يا آدم ؟ قال : حواء ، قالوا : ولمَ حواء ؟ قال : إنها خلقت من شيء حي " . وأما قوله : { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } فهو اختبار من الله تعالى وامتحان لآدم . وقد اختلف في هذه الشجرة ما هي ؟ فقال السدي عن ابن عباس : الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي الكرم ، وتزعم يهود أنها الحنطة . وقال ابن جرير عن ابن عباس : الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي السنبلة ، وقال ابن جرير بسنده : حدثني رجل من بني تميم أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم ، والشجرة التي تاب عندها آدم ، فكتب إليه أبو الجلد : سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم وهي السنبلة ، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة . وقال سفيان الثوري عن أبي مالك { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } : النخلة ، وقال ابن جرير عن مجاهد { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } : التينة . قال الإمام العلاّمة أبو جعفر بن جرير رحمه الله : والصواب في ذلك أن يقال : إن الله عزّ وجلّ ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فأكلا منها ، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين ، لأن الله لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا من السنّة الصحيحة . وقد قيل : كانت شجرة البر ، وقيل : كانت شجرة العنب ، وقيل : كانت شجرة التين . وجائز أن تكون واحدة منها وذلك عِلْمٌ إذا عُلِم لم ينفع العالم به علمه ، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به والله أعلم . وقوله تعالى : { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا } يصح أن يكون الضمير في قوله : { عَنْهَا } عائداً إلى الجنة ، فيكون معنى الكلام فأزلهما أي فنحاهما ، ويصح أن يكون عائداً على أقرب المذكورين وهو الشجرة فيكون معنى الكلام فأزلهما أي من قبل الزلل ، فعلى هذا يكون تقدير الكلام { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا } أي بسببها ، كما قال تعالى : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } [ الذاريات : 9 ] أي يصرف بسببه من هو مأفوك ، ولهذا قال تعالى : { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } أي من اللباس والمنزل الرحب والرزق الهنيء والراحة . { وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } أي قرار وأرزاق وآجال { إِلَىٰ حِينٍ } أي إلى وقت مؤقت ومقدار معيّن ثم تقوم القيامة ، وقد ذكر المفسرون من السلف كالسدي بأسانيده ، وأبي العالية ، ووهب بن منبه وغيرهم ، هٰهنا أخباراً إسرائيلية عن قصة الحية وإبليس ، وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنة ووسوسته ، وسنبسط ذلك إن شاء الله في سورة الأعراف فهناك القصة أبسط منها هٰهنا والله الموفق . فإن قيل : فإذا كانت جنة آدم التي أُخرج منها في السماء كما يقوله الجمهور من العلماء فكيف تمكن إبليس من دخول الجنة وقد طرد من هنالك ؟ وأجاب الجمهور بأجوبة ، أحدها أنه منع من دخول الجنة مكرماً ، فأما على وجه السرقة والإهانة فلا يمتنع . ولهذا قال بعضهم - كما في التوراة - إنه دخل في فم الحية إلى الجنة . وقد قال بعضهم : يحتمل أنه وسوس لهما وهو خارج باب الجنة . وقال بعضهم : يحتمل أنه وسوس لهما وهو في الأرض وهما في السماء . ذكرهما الزمخشري وغيره . وقد أورد القرطبي هٰهنا أحاديث في الحيات وقتلهن ، وبيان حكم ذلك فأجاد وأفاد .