Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 48-48)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكّرهم تعالى بنعمه أولاً ، عطف على ذلك التحذير من طول نقمه بهم يوم القيامة فقال : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } يعني يوم القيامة { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } أي لا يغني أحد عن أحد ، كما قال : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الأنعام : 164 ، الإسراء : 15 ] ، وقال : { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 37 ] ، وقال : { وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } [ لقمان : 33 ] فهذه أبلغ المقامات أن كلاً من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئاً . وقوله تعالى : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } يعني من الكافرين كما قال : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] ، وكما قال عن أهل النار : { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [ الشعراء : 100 - 101 ] . وقوله تعالى : { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي لا يقبل منها فداء ، كما قال تعالى : { فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } [ آل عمران : 91 ] ، وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ } [ المائدة : 36 ] ، وقال تعالى : { وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ } [ الأنعام : 70 ] ، وقال : { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الحديد : 15 ] الآية . فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ، ولا شفاعة ذي جاه ، ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهباً ، كما قال تعالى : { لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } [ ابراهيم : 31 ] . قال ابن عباس { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } قال : بدلٌ والبدل الفدية . وقوله تعالى : { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } أي ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله ، كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه ، ولا يقبل منهم فداء ، هذا كله من جانب التلطف ، ولا لهم ناصر من أنفسهم ولا من غيرهم كما قال : { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } [ الطارق : 10 ] أي أنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحداً من عذابه منقذ ، ولا يخلص منه أحد كما قال تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } [ الفجر : 25 - 26 ] ، وقال : { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } [ الصافات : 25 - 26 ] ، وقال : { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ } [ الأحقاف : 28 ] الآية . وقال الضحّاك عن ابن عباس في قوله تعالى : { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } ما لكم اليوم لا تمانعون منا ، هيهات ليس ذلك لكم اليوم ، قال ابن جرير : وتأويل قوله : { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } يعني أنهم يومئذٍ لا ينصرهم ناصر ، كما لا يشفع لهم شافع ، ولا يقبل منه عدل ولا فدية . بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشا والشفاعات ، وارتفع من القوم التناصر والتعاون ، وصار الحكم إلى الجبار العدل ، الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها . وذلك نظير قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } [ الصافات : 24 - 26 ] .