Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 74-74)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى توبيخاً لبني إسرائيل وتقريعاً لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى وإحيائه الموتى : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } كله فهي كالحجارة التي لا تلين أبداً ، ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم ، فقال : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [ الحديد : 16 ] . فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة ، بعد ما شاهدوه من الآيات والمعجزات ، فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها ، أو أشدَّ قسوة من الحجارة ، فإن من الحجارة ما يتفجر منها العيون بالأنهار الجارية ، ومنها ما يشقَّق فيخرج منه الماء وإن لم يكن جارياً ، ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله وفيه إدراك لذلك بحسبه ، كما قال تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } [ الإسراء : 44 ] . والمعنى : وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تُدْعون إليه من الحق . وقد زعم بعضهم أن هذا من باب المجاز ، وهو إسناد الخشوع إلى الحجارة كما أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله : { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } [ الكهف : 77 ] . قال الرازي والقرطبي : ولا حاجة إلى هذا ، فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة كما في قوله تعالى : { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } [ الأحزاب : 72 ] ، وقال : { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } [ الإسراء : 44 ] الآية ، وقال : { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } [ الرحمن : 6 ] ، وقال : { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] . وفي الصحيح : " هذا جبل يحبنا ونحبه " ، وكحنين الجذع المتواتر خبره ، وفي صحيح مسلم : " إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلّم عليَّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن " ، وفي صفة الحجر الأسود أنه يشهد لمن استلم بحق يوم القيامة وغير ذلك مما في معناه . ( تنبيه ) اختلف علماء العربية في معنى قوله تعالى : { فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } بعد الإجماع على استحالة كونها للشك ، فقال بعضهم ( أو ) هٰهنا بمعنى الواو تقديره : فهي كالحجارة وأشد قسوة ، كقوله تعالى : { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } [ الإنسان : 24 ] ، وقوله : { عُذْراً أَوْ نُذْراً } [ المرسلات : 6 ] ، وكما قال جرير بن عطية : @ نال الخلافة أو كانت له قدراً كما أتى ربَّـه موسى على قَدَرَ @@ قال ابن جرير : يعني نال الخلافة وكانت له قدراً ، وقال آخرون : ( أو ) هٰهنا بمعنى بل فتقديره : فهي كالحجارة بل أشد قسوة ، وكقوله : { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } [ النساء : 77 ] { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] ، { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [ النجم : 9 ] ، وقال آخرون : معنى ذلك : { فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } عندكم حكاه ابن جرير . وقال بعضهم : معنى ذلك فقلوبكم لا تخرج عن أحد هذين المثلين : إما أن تكون مثل الحجارة في القسوة ، وإما أن تكون أشد منها في القسوة ، قال ابن جرير ومعنى ذلك على هذا التأويل فبعضها كالحجارة قسوة ، وبعضها أشد قسوة من الحجارة ، وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره ، ( قلت ) : وهذا القول الأخير يبقى شبيهاً بقوله تعالى : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } [ البقرة : 17 ] مع قوله : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ البقرة : 19 ] ، وكقوله : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } [ النور : 39 ] ، مع قوله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ } [ النور : 40 ] الآية أي : إن منهم من هو هكذا ومنهم من هو هكذا ، والله أعلم . عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب ، وإنَّ أبعد الناس من الله القلب القاسي " وروي مرفوعاً : " أربع من الشقاء : جمود العين ، وقساوة القلب ، وطول الأمل ، والحرص على الدنيا " .