Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 94-96)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب ، فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } أي يعلمهم بما عندهم من العلم بل والكفر بذلك ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات . وقال الضحاك عن ابن عباس : { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } فسلوا الموت . قال ابن عباس : " لو تمنى يهود الموت لماتوا ولو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه " . وقال ابن جرير : وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار ، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً " ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الجمعة : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } [ الجمعة : 6 - 7 ] فهم - عليهم لعائن الله تعالى - لمّا زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه وقالوا : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] دعوا إلى المباهلة والدعاء على أكذب الطائفتين منهم أو من المسلمين ، فلما نكلوا عن ذلك علم كل أحد أنهم ظالمون ، لانهم لو كانوا جازمين بما هم فيه لكانوا أقدموا على ذلك ، فلما تأخروا علم كذبهم . وهذا كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران من النصارى بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة ، وعتوهم وعنادهم إلى المباهلة ، فقال تعالى : { فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] . فلما رأوا ذلك قال بعض القوم لبعض : والله لئن باهلتم هذا النبي لا يبقى منكم عين تطرف ، فعند ذلك جنحوا للسلم وبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون . والمعنى إن كنتم تعتقدون أنكم أولياء الله من دون الناس ، وأنكم أبناء الله وأحباؤه ، وأنكم من أهل الجنة ومن عداكم من أهل النار ، فباهلوا على ذلك وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم ، واعلموا أن المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة ، فلما تيقنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة ، لما يعلمون من كذبهم وافترائهم ، وكتمانهم الحق من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم ونعته ، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويتحققونه ، فعلم كل أحد باطلهم وخزيهم وضلالهم وعنادهم ، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة . وسميت هذه المباهلة تمنياً لأن كل محق يود لو أهلك الله المبطل المناظر له ، ولا سيما إذا كان في ذلك حجة له في بيان حقه وظهوره ، وكانت المباهلة بالموت لأن الحياة عندهم عزيزة عظيمة لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت ، ولهذا قال تعالى : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ } أي على طول العمر لما يعلمون من مآلهم السيء وعاقبتهم عند الله الخاسرة ، لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، فهم يودون لو تأخروا عن مقام الآخرة بكل ما أمكنهم وما يحاذرون منه واقع بهم لا محالة ، حتى وهم أحرص من المشركين الذين لا كتاب لهم ، وهذا من باب عطف الخاص على العام ، وقال الحسن البصري : { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ } المنافق أحرص الناس ، وأحرص من المشرك على حياة { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ } أي يود أحد اليهود لو يعمر ألف سنة { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ } أي وما هو بمنجيه من العذاب ، وذلك أن المشرك لا يرجو بعثاً بعد الموت ، فهو يحب طول الحياة ، وأن اليهودي قد عرف ماله في الآخرة من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم فما ذاك بمغيثه من العذاب ولا منجيه منه . { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي خبير بصير بما يعمل عباده من خير وشر ، وسيجازي كل عامل بعمله .