Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 97-98)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال أبو جعفر الطبري رحمه الله : أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً أن هذه الآية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل إذ زعموا أن جبريل عدوّ لهم ، وأن ميكائيل وليٌّ لهم ، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك ، فقال بعضهم : إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوّته . عن ابن عباس قال : " أقبلت يهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك ، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } قال : " هاتوا " ، قالوا : فأخبرنا عن علامة النبي ؟ قال : " تنام عيناه ولا ينام قلبه " . قالوا : أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكَّر ؟ قال : " يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت " ، قالوا : أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال : " كان يشتكي عرق النساء فلم يجد شيئاً يلائمه إلا ألبان كذا " ، قال أحمد ، قال بعضهم : يعني الإبل فحرم لحومها . قالوا : صدقت . قالوا : أخبرنا ما هذا الرعد ؟ قال : " ملك من ملائكة الله عزّ وجلّ موكل بالسحاب بيديه أو في يديه مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله تعالى " . قالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال : " صوته " ، قالوا : صدقت . قالوا : إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها ، إنه ليس من نبي إلا وله ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك ؟ قال : " جبريل عليه السلام " ، قالوا : جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدوُّنا ، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والقطر والنبات لكان ، فأنزل الله تعالى : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } إلى آخر الآية " وفي رواية : إن يهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي قال : " جبريل " ، قالوا : فإنه عدوّ لنا ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال فنزلت : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ } الآية . وأخرج البخاري عن أنس بن مالك قال : سمع ( عبد الله بن سلاّم ) بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إني سائِلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة ، وما أول طعام أهل الجنة ، وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : " أخبرني بهذه جبرائيل آنفاً " . قال : جبريل ؟ قال : " نعم " . قال : ذاك عدوّ اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ } . " وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ؛ وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة نزعت " ، قال : أشهد أن لا إلٰه إلا الله وأنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قوم بُهْتٌ وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني ، فجاءت اليهود فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيّ رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ " قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا ، قال : " أرأيتم إن أسلم " ، قالوا : أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، فقالوا : هو شرنا وابن شرنا وانتقصوه ، فقال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله " . وقال آخرون : بل كان سبب ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين عمر بن الخطاب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، قال عمر : كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم ، فأعجب من التوراة كيف تصدِّق القرآن ومن القرآن كيف يصدِّق التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا : يا ابن الخطاب ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك ، ( قلت ) : ولم ذلك ؟ قالوا : لأنك تغشانا وتأتينا ، فقلت : إني آتيكم فأعجب من القرآن كيف يصدِّق التوراة ، ومن التوراة كيف تصدِّق القرآن ، قالوا : ومرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا ابن الخطاب ذاك صاحبكم فالحق به ، قال : فقلت لهم عند ذلك : نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه وما استودعكم من كتابه ، هل تعلمون أنه رسول الله ؟ قال : فسكتوا ، فقال لهم عالمهم وكبيرهم : إنه قدذ غلَّظ عليكم فأجيبوه ، قالوا : فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت ، قال : أما إذا نشدتنا بما نشدتنا فإنا نعلم أنه رسول الله ، قلت : ويحكم إذاً هلكتم ، قالوا : إنا لم نهلك ، قلت : كيف ذلك وأنت تعلمون أنه رسول الله ولا تتبعونه ولا تصدقونه ! ! قالوا : إن لنا عدوّاً من الملائكة ، وسِلْماً من الملائكة ، وإنه قرن بنبوّته عدوّنا من الملائكة ، قلت : ومن عدوّكم ومن سِلْمكم ؟ قالوا : عدوّنا جبريل ، وسِلْمنا ميكائيل ، قالوا : إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا ، وإن ميكائيل ملك الرحمة والرأفة ، والتخفيف ونحو هذا ، قال ، قلت : وما منزلتهما من ربهما عزّ وجلّ ؟ قالوا : أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ، قال ، فقلت : فوالذي لا إله إلا هو إنهما - والذي بينهما - لعدوّ لمن عاداهما وسِلْمٌ لمن سالمهما ، وما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدوّ جبريل ، قال : ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته وهو خارج من خوخة لبني فلان ، فقال : " يا ابن الخطّاب ألا أقرئك آيات نزلن قبل " فقرأ علي : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } حتى قرأ الآيات . قال ، قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد جئت أنا أريد أن أخبرك وأنا أسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر " . وقال ابن جرير : انطلق عمر بن الخطاب ذات يوم إلى اليهود فلما انصرف رحبوا به ، فقال لهم عمر : أما والله ما جئتكم لحبكم ولا لرغبة فيكم ولكن جئت لأسمع منكم ، فسألهم وسألوه ، فقالوا : من صاحب صاحبكم ؟ فقال لهم : جبرائيل ، فقالوا : ذاك عدوّنا من أهل السماء ، يُطلع محمداً على سرّنا ، وإذا جاء جاء بالحرب والسَنَة ، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل إذا جاء جاء بالخصب والسلم ، فقال لهم عمر : هل تعرفون جبرائيل وتنكرون محمداً صلى الله عليه وسلم ، ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحو النبي صلى الله عليه وسلم ليحدثه حديثهم فوجده قد أنزلت عليه هذه الآية : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } الآيات . وقال ابن جرير عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ } قال : قالت اليهود للمسلمين : لو أن ( ميكائيل ) كان هو الذي ينزل عليكم اتبعناكم فإنه ينزل بالرحمة والغيث ، وإن ( جبرائيل ) ينزل بالعذاب والنقمة فإنه عدوّ لنا ، قال : فنزلت هذه الآية . وأما تفسير الآية فقوله تعالى : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي من عادى جبرائيل فليعلم أنه الروح الأمين ، الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك ، فهو رسول من رسل الله ملكيٌّ ، ومن عادى رسولاً فقد عادى جميع الرسل ، كما أن من آمن برسول فإنه يلزمه الإيمان بجميع الرسل ، وكذلك من عادى جبرائيل فإنه عدوّ لله لأن جبرائيل لا ينزل بالأمر من تلقاء نفسه وإنما ينزل بأمر ربه كما قال : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } [ مريم : 64 ] ، وقال تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } [ الشعراء : 192 - 194 ] . وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب " ولهذا غضب الله لجبرائيل على من عاداه ، فقال تعالى : { مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي من الكتب المتقدمة { وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة ، وليس ذلك إلاّ للمؤمنين كما قال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ } [ فصلت : 44 ] ، وقال تعالى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ الإسراء : 82 ] ، ثم قال تعالى : { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } . يقول تعالى : من عاداني وملائكتي ورسلي - ورسله تشمل رسله من الملائكة والبشر - كما قال تعالى : { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } [ الحج : 75 ] ، { وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } وهذا من باب عطف الخاص على العام فإنهما دخلا في الملائكة في عموم الرسل ، ثم خُصّصا بالذكر لأن السياق في الانتصار لجبرائيل ، وهو السفير بين الله وأنبيائه ، وقرن معه ميكائيل في اللفظ لأن اليهود زعموا أن جبرائيل عدوهم ، وميكائيل وليهم ، فأعلمهم الله تعالى أن من عادى واحداً منهما فقد عادى الآخر ، وعادى الله أيضاً ، ولأنه أيضاً ينزل على أنبياء الله بعض الأحيان كما قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر ، ولكن جبرائيل أكثر وهي وظيفته ، وميكائيل موكل بالنبات والقطر . هذا بالهدى وهذا بالرزق ، كما أن إسرافيل موكل بالنفخ في الصور للبعث يوم القيامة ، ولهذا جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يقول : " اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اخْتُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " عن ابن عباس قال : إنما كان قوله جبرائيل كقوله عبد الله وعبد الرحمٰن ، وقيل جبر : عبد ، وإيل : الله . وقوله تعالى : { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل ( فإنه عدو ) بل قال : { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } كما قال الشاعر : @ لا أرى الموتَ يسبق الموتَ شيءٌ سبق الموتُ ذا الغنى والفقيرا @@ وإنما أظهر الله هذا الاسم هٰهنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره ، وإعلامهم أن من عادى ولياً لله فقد عادى الله ، ومن عادى الله فإن الله عدو له ، ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والآخرة ، كما تقدم الحديث : " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة " ، وفي الحديث الصحيح : " من كنت خصمه خصمته " .