Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 26-27)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر تعالى أنه بوأ إبراهيم مكان البيت أي أرشده إليه ، وسلمه له وأذن له في بنائه ، واستدل به كثير ممن قال إن إبراهيم عليه السلام هو أول من بنى البيت العتيق وأنه لم يبن قبله ، كما ثبت في " الصحيحين " " عن أبي ذر قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع أول ؟ قال : " المسجد الحرام " قلت : ثم أي ؟ قال : " بيت المقدس " قلت كم بينهما ؟ قال : " أربعون سنة " ، وقد قال الله تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً } [ آل عمران : 96 ] الآيتين ، وقال تعالى : { وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } [ البقرة : 125 ] وقد قدمنا ذكر ما ورد في بناء البيت من الصحاح والآثار بما أغنى عن إعادته هٰهنا وقال تعالى هٰهنا : { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } أي ابنه على اسمي وحدي { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } قال مجاهد : من الشرك { لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } أي اجعله خالصاً لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له ، فالطائف به معروف ، وهو أخص العبادات عند البيت ، فإنه لا يفعل ببقعة من الأرض سواها { وَٱلْقَآئِمِينَ } أي في الصلاة ، ولهذا قال { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } فقرن الطواف بالصلاة لأنهما لا يشرعان إلا مختصين بالبيت . وقوله تعالى : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } أي ناد في الناس بالحج داعياً لهم لحج هذا البيت الذي أمرناك ببنائه فذكر أنه قال : يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم ؟ فقال : ناد وعلينا البلاغ ، فقام على مقامه ، وقيل على الحجر ، وقيل على الصفا ، وقيل على أبي قبيس ، وقال : يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه ، فيقال : إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض ، وأسمع من في الأرحام والأصلاب ، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك ، هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم ، وأوردها ابن جرير وابن أبي حاتم مطولة ، وقوله : { يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } الآية . قد يستدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشياً لمن قدر عليه أفضل من الحج راكباً لأنه قدمهم في الذكر ، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم ، وقال ابن عباس : ما أساء على شيء إلا أني وددت أني كنت حججت ماشياً ، لأن الله يقول : { يَأْتُوكَ رِجَالاً } ، والذي عليه الأكثرون أن الحج راكباً أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه حج راكباً مع كمال قوته عليه السلام . وقوله : { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ } يعني طريق ، كما قال : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } [ الأنبياء : 31 ] ، وقوله : { عَميِقٍ } أي بعيد ، وهذه الآية كقوله تعالى : { فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ } [ إبراهيم : 37 ] ، فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف ، والناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار .