Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 52-54)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد ذكر كثير من المفسرين ، هٰهنا ( قصة الغرانيق ) وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ، وخلاصتها عن سعيد بن جبير قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة " النجم " فلما بلغ هذا الموضع : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 19 - 20 ] قال : فألقى الشيطان على لسانه : " تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى " ، قالوا : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ في هذه الآية : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ؛ وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا ، وكلها مرسلات ومنقطعات والله أعلم . وقد ساقها البغوي في تفسيره ثم سأل هٰهنا سؤالاً : كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله تعالى لرسوله صلاة الله وسلامه عليه ؟ ثم حكى أجوبة عن الناس ، من ألطفها : أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك . فتوهموا أنه صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس كذلك في نفس الأمر ، بل إنما كان من صنيع الشيطان ، لا عن رسول الرحمٰن صلى الله عليه وسلم والله أعلم . وقوله : { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } هذا فيه تسلية من الله لرسوله صلاة الله وسلامه عليه ، قال البخاري قال ابن عباس { فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ، فيبطل الله ما يلقي الشيطان { ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ } . وقال مجاهد : { إِذَا تَمَنَّىٰ } يعني إذا قال ؛ ويقال أمنيته قراءته { إِلاَّ أَمَانِيَّ } [ البقرة : 78 ] يقرؤون ولا يكتبون ، قال البغوي : وأكثر المفسرين قالوا : معنى قوله : { تَمَنَّىٰ } أي تلا وقرأ كتاب الله { أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } أي في تلاوته ، قال الشاعر في عثمان حين قتل : @ تمنى كتاب الله أول ليله وآخرها لاقى حمام المقادر @@ وقال الضحاك { إِذَا تَمَنَّىٰ } إذا تلا ، قال ابن جرير : هذا القول أشبه بتأويل الكلام . وقوله تعالى : { فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ } حقيقة النسخ لغة الإزالة والرفع ، قال ابن عباس : أي فيبطل الله سبحانه وتعالى ما ألقى الشيطان ؛ وقال الضحاك : نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته ، وقوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } أي بما يكون من الأمور والحوادث لا تخفى عليه خافية { حَكِيمٌ } أي في تقديره وخلقه وأمره ، له الحكمة التامة والحجة البالغة ، ولهذا قال : { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي شك وشرك وكفر ونفاق كالمشركين حين فرحوا بذلك واعتقدوا أنه صحيح من عند الله وإنما كان من الشيطان ، قال ابن جريج { لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } هم المنافقون ، { وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } هم المشركون ، وقال مقاتل بن حيان : هم اليهود ، { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي في ضلال ومخالفة وعناد بعيد أي من الحق والصواب ، { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ } أي وليعلم الذين أوتوا العلم النافع الذي يفرقون به بين الحق والباطل ، والمؤمنون بالله ورسوله أن ما أوحيناه إليك ، هو الحق من ربك الذي أنزله بعلمه وحفظه ، وحرسه أن يختلط به غيره ، بل هو كتاب عزيز { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] ، وقوله : { فَيُؤْمِنُواْ بِهِ } أي يصدقوه وينقادوا له { فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } أي تخضع وتذل له قلوبهم ، { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فيرشدهم إلى الحق واتباعه ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه ، وفي الآخرة يهديهم الصراط المستقيم الموصل إلى درجات الجنات ، ويزحزحهم عن العذاب الأليم والدركات .