Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 84-90)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقرر تعالى وحدانيته واستقلاله بالخلق والتصرف والملك { قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ } أي من مالكها الذي خلقها ، ومن فيها من الحيوانات والنباتات ، والثمرات وسائر صنوف المخلوقات ؟ { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } أي فيعترفون لك بأنّ لك لله وحده لا شريك له ، فإذا كان ذلك { قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أنه لا تنبغي العبادة إلا للخالق الرازق لا لغيره ، { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } ؟ أي من هو خالق العالم العلوي بما فيه من الكواكب النيرات ، والملائكة الخاضعين له في سائر الأقطار منها والجهات ؟ ومن هو رب العرش العظيم يعني الذي هو سقف المخلوقات ؟ كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " شأن الله أعظم من ذلك إن عرشه على سماواته هكذا " وأشار بيده مثل القبة " وفي الحديث الآخر : " ما السماوات السبع والأرضون السبع وما بينهنَّ وما فيهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك القلاة " ، عن ابن عباس : إنما سمي عرشاً لارتفاعه ، وقال مجاهد : ما السماوات والأرض في العرش إلا كحلقة في أرض فلاة ، وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : العرش لا يقدر قدره أحد إلا الله عزَّ وجلَّ . ولهذا قال هٰهنا : { وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } أي الكبير ، وقال آخر السورة { رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } [ المؤمنون : 116 ] أي الحسن البهي فقد جمع العرش بين العظمة في الاتساع ، والعلو والحسن الباهر ؛ قال ابن مسعود : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور العرش من نور وجهه ، وقوله : { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي إذا كنتم تعترفون بأنه رب السماوات ورب العرش العظيم ، أفلا تخافون عقابه وتحذرون عذابه في عبادتكم معه غيره وإشراككم به ؟ قوله : { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } أي بيده الملك { مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } [ هود : 56 ] أي متصرف فيها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا والذي نفسي بيده " ، وكان إذا اجتهد في اليمين قال : " لا ومقلب القلوب " ، فهو سبحانه الخالق المالك المتصرف ، { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } كانت العرب إذا كان السيد فيهم أجار أحداً لا يخفر في جواره ، وليس لمن دونه أن يجير عليه لئلا يفتات عليه ، ولهذا قال الله : { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } أي وهو السيد العظيم الذي لا أعظم منه ، الذي له الخلق والأمر ولا معقب لحكمه ، { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] ، { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } أي سيعترفون أن السيد العظيم الذي يجير ولا يجار عليه هو الله تعالى وحده لا شريك له { قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } أي فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره مع اعترافكم وعلمكم بذلك ؟ ثم قال تعالى : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ } وهو الإعلام بأنه لا إلٰه إلا الله وأقمنا الأدلة الصحيحة الواضحة القاطعة على ذلك ، { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أي في عبادتهم مع الله غيره ولا دليل لهم على ذلك ، كما قال في آخر السورة { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ } [ المؤمنون : 117 ] فالمشركون إنما يفعلون ذلك اتباعاً لآبائهم وأسلافهم الحيارى الجهال كما قال عنهم { إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] .