Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 1-2)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : هذه السورة أنزلناها ، فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها { وَفَرَضْنَاهَا } قال مجاهد : أي بينا الحلال والحرام والأمر والنهي والحدود ، وقال البخاري : ومن قرأ { وَفَرَضْنَاهَا } يقول : فرضناها عليكم وعلى من بعدكم ، { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي مفسرات واضحات { لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، ثم قال تعالى : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } يعني هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد ، وللعلماء فيه تفصيل ، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكراً وهو الذي لم يتزوج ، أو محصناً وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل ، فأما إذا كان بكراً لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية ، ويزاد على ذلك أن يغرب عاماً عن بلده عند جمهور العلماء ، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام إن شاء غرّب وإن شاء لم يغرب ، وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في " الصحيحين " " في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفاً - يعني أجيراً - على هذا ، فزنى بامرأته ، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة ، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى : الوليدة والغنم ردٌّ عليك ، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام ، واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " فغدا عليها فاعترفت فرجمها " وفي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكراً ؛ فأما إذا كان محصناً فإنه يرجم ، كما روى الإمام مالك . عن ابن عباس أن عمر قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " أما بعد أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجمنا بعده ، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل : لا نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضنوا بترك فريضة قد أنزلها الله ، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال ومن النساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف " . وفي رواية عنه : " ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت " . وقال ابن عمر : نبئت عن كثير بن الصلت قال : كنا عند مروان وفينا زيد فقال زيد بن ثابت : كنا نقرأ : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، قال مروان : ألا كتبتها في المصحف ؟ قال : ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب ، فقال : أنا أشفيكم من ذلك ، قال ، قلنا : فكيف ؟ قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكر كذا وكذا الرجم ، فقال : يا رسول الله اكتب لي آية الرجم ، قال : " لا أستطيع الآن " ، هذا أو نحو ذلك . وهذه طرق كلها متعددة متعاضدة ، ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها وبقي حكمها معمولاً به والله أعلم . وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة لما زنت مع الأجير ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ماعزاً ) و ( الغامدية ) ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جلدهم قبل الرجم ، ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء ، وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله ، وذهب الإمام أحمد إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للآية والرجم للسنة ، كما روى الإمام أحمد وأهل السنن عن عبادة بن الصامت قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " . وقوله تعالى : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } أي في حكم الله أي لا ترأفوا بهما في شرع الله ، وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على ترك الحد ، وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك ، قال مجاهد { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } قال : إقامة الحدود إذا رفعت إلى السلطان فتقام ولا تعطل ، وقد جاء في الحديث : " تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب " ، وفي الحديث الآخر : " لحد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين يوماً " ، وقيل المراد : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } فلا تقيموا الحد كما ينبغي من شدة الضرب الزاجر عن المأثم ، وليس المراد الضرب المبرح ، قال عامر الشعبي : رحمة في شدة الضرب ، وقال عطاء : ضرب ليس بالمبرح ، وقال : هذا في الحكم والجلد يعني في إقامة الحد وفي شدة الضرب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر : أن جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها ، قال نافع : أراه قال : وظهرها ، قال ، قلت : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } قال : يا بني ورأيتني أخذتني بها رأفة إن الله لم يأمرني أن أقتلها ، ولا أن أجعل جلدها في رأسها ، وقد أوجعت حين ضربتها ، وقوله تعالى : { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي فافعلوا ذلك وأقيموا الحدود على من زنى وشددوا عليه الضرب ، ولكن ليس مبرحاً ، ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك ، وقد جاء في " المسند " عن بعض الصحابة أنه قال : " يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها ، فقال : " ولك في ذلك أجر " ، وقوله تعالى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس ، فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما ، وأنجع في ردعهما ، فإن في ذلك تقريعاً وتوبيخاً وفضيحة إذا كان الناس حضوراً ، قال الحسن البصري في قوله { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } : يعني علانية ، والطائفة الرجل فما فوقه ، وقال مجاهد : الطائفة الرجل الواحد إلى الألف ، وكذا قال عكرمة ولهذا قال أحمد : إن الطائفة تصدق على واحد ، وقال عطاء بن أبي رباح : اثنان ، وقال الزهري ثلاثة نفر فصاعداً ، وقال الإمام مالك : الطائفة أربعة نفر فصاعداً ، لأنه لا يكفي شهادة في الزنا إلاّ أربعة شهداء فصاعداً ، وبه قال الشافعي ، وقال الحسن البصري : عشرة ، وقال قتادة : أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين : أي نفر من المسلمين ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالاً .