Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 58-60)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض ، وما تقدم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض ، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال : ( الأول ) من قبل صلاة الغداة لأن الناس إذ ذاك يكونون نياماً في فرشهم ، { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } أي في وقت القيلولة ، لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله ، { وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ } ، لأنه وقت النوم فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال ، لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال ، ولهذا قال : { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ } أي إذا دخلوا في حال غير هذه الأحوال ، فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم ، ولا عليهم إن رأوا شيئاً في غير تلك الأحوال ، ولأنهم طوافون عليكم أي في الخدمة وغير ذلك ، ولهذا روى أهل السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهرة : " إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم - أو الطوافات - " عن ابن عباس أن رجلين سألاه عن الاستئذان في ثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن ؟ فقال ابن عباس : إن الله ستير يحب الستر ، كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ، ولا حجال في بيوتهم ، فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه في حجره وهو على أهله ، فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمى الله ، ثم جاء الله بعد بالستور ، فبسط الله عليهم الرزق فاتخذوا الستور واتخذوا الحجال ، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به وقال السدي : كان أناس من الصحابة رضي الله عنهم يحبون أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة ، فأمرهم الله أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلاّ بإذن ، وقال مقاتل بن حيان : بلغنا والله أعلم أن رجلاً من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرثد صنعا للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً ، فجعل الناس يدخلون بغير إذن ، فقالت أسماء : يا رسول الله ما أقبح هذا ، إنه ليدخل على المرأة زوجها وهما في ثوب واحد غلامهما بغير إذن ، فأنزل الله في ذلك : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } إلى آخرها ، ومما يدل على أنها محكمة لم تنسخ قوله : { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ، ثم قال تعالى : { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني إذا بلغ الأطفال الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات الثلاث إذا بلغوا الحلم ، وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال ، وإن لم يكن في الأحوال الثلاث . قال الأوزاعي : إذا كان الغلام رباعياً فإنه يستأذن في العورات الثلاث على أبويه ، فإذا بلغ الحلم فليستأذن على كل حال ، وقال في قوله : { كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه ، وقوله : { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } هن اللواتي انقطع عنهن الحيض ويئسن من الولد { ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً } أي لم يبق لهن تشوف إلى التزوج ، { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } أي ليس عليهن من الحجر في التستر كما على غيرهن من النساء ، قال ابن مسعود في قوله : { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ } قال : الجلباب أو الرداء ، وقال أبو صالح : تضع الجلباب وتقوم بين يدي الرجل في الدرع والخمار ، وقال سعيد بن جبير في الآية { غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } يقول : لا يتبرجن بوضع الجلباب ليرى ما عليهن من الزينة . عن أم الضياء أنها قالت : دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت : يا أم المؤمنين ما تقولين في الخضاب والنفاض والصباغ والقرطين والخلخال وخاتم الذهب وثياب الرقاق ؟ فقالت : يا معشر النساء قصتكن كلها واحدة ، أحل الله لكنّ الزينة غير متبرجات ، أي لا يحل لكن أن يروا منكن محرماً . وقوله : { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ } أي وترك وضعهن لثيابهن وإن كان جائزاً ، خير وأفضل لهن ، والله سميع عليم .