Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 61-61)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف المفسرون رحمهم الله في المعنى الذي رفع لأجله الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض هٰهنا ، فقال عطاء بن أسلم : يقال إنها نزلت في الجهاد ، وجعلوا هذه الآية هٰهنا كالتي في سورة الفتح وتلك في الجهاد لا محالة ، أي إنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم ، وكما قال تعالى في سورة براءة : { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الآية : 91 ] وقيل : المراد هٰهنا أنهم كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات ، فربما سبقه غيره إلى ذلك ، ولا مع الأعرج لأنه لا يتمكن من الجلوس فيفتات عليه جليسه ، والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره ، فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم ، فأنزل الله هذه الآية رخصة في ذلك ، وقال الضحاك : كانوا قبل البعثة يتحرجون من الأكل مع هؤلاء تقذراً وتعززاً ولئلا يتفضلوا عليهم فأنزل الله هذه الآية . وقال السدي : كان الرجل يدخل بيت أبيه أو أخيه أو ابنه فتتحفه المرأة بشيء من الطعام ، فلا يأكل من أجل أن رب البيت ليس ثمّ ، فقال الله تعالى : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } الآية . وقوله تعالى : { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } إنما ذكر هذا وهذا معلوم ليعطف عليه غيره في اللفظ ، وليساوي به ما بعده في الحكم ، وتضمن هذا بيوت الأبناء لأنه لم ينص عليهم ، ولهذا استدل بهذا من ذهب إلى أن مال الولد بمنزلة مال أبيه ، وقد جاء في المسند والسنن من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنت ومالك لأبيك " . وقوله تعالى : { أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ } إلى قوله : { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } هذا ظاهر ، وقد يستدل به من يوجب نفقة الأقارب بعضهم على بعض ، كما هو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل في المشهور عنهما ، وأما قوله : { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } فقال سعيد بن جبير والسدي : هو خادم الرجل من عبد وقهرمان ، فلا بأس أن يأكل مما استودعه من الطعام بالمعروف . وقال الزهري عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان المسلمون يذهبون مع النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدفعون مفاتحهم إلى ضمنائهم ، ويقولون : قد أحللنا لكم أن تأكلوا ما احتجتم إليه ، فكانوا يقولون : إنه لا يحل لنا أن نأكل ، إنهم أذنوا لنا عن غير طيب أنفسهم ، وإنما نحن أمناء ، فأنزل الله : { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } ، وقوله : { أَوْ صَدِيقِكُمْ } أي بيوت أصدقائكم وأصحابكم فلا جناح عليكم في الأكل منها إذا علمتم أن ذلك لا يشق عليهم ولا يكرهون ذلك ، وقال قتادة : إذا دخلت بيت صديقك فلا بأس أن تأكل بغير إذنه ، وقوله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } قال ابن عباس : وذلك لما أنزل الله : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } [ النساء : 29 ] ، قال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو أفضل من الأموال ، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فكف الناس عن ذلك ، فأنزل الله : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } إلى قوله { أَوْ صَدِيقِكُمْ } ، وكانوا أيضاً يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم في ذلك ، فقال : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } ، وقال قتادة : كان هذا الحي من ( بني كنانة ) يرى أحدهم أن مخزاة عليه أن يأكل وحده في الجاهلية ، حتى إن كان الرجل ليسوق الذود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه ، فأنزل الله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } فهذه رخصة من الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده ومع الجماعة ، وإن كان الأكل مع الجماعة أبرك وأفضل ، كما روي " أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا نأكل ولا نشبع ، قال : " لعلكم تأكلون متفرقين ، اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه " وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كلوا جميعا ولا تفرقوا ، فإن البركة مع الجماعة " . وقوله تعالى : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } يعني فليسلم بعضكم على بعض ، وقال جابر بن عبد الله إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله طيبة مباركة ، قال ابن جريج : قلت لعطاء : أواجب إذا خرجت ثم دخلت أن أسلم عليهم ؟ قال : لا ، ولا أوثر وجوبه عن أحد ، ولكن هو أحب إليَّ ، وقال قتادة : إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم ، وإذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنه كان يؤمر بذلك ، وحدثنا أن الملائكة ترد عليه ، وقال أنس بن مالك : أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال ، قال : " يا أنس أسبغ الوضوء يزد في عمرك ، وسلم على من لقيك من أمتي تكثر حسناتك ، وإذا دخلت - يعني بيتك - فسلم على أهلك يكثر خير بيتك ، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوَّابين قبلك ، يا أنس ارحم الصغير ، ووقر الكبير تكن من رفقائي يوم القيامة " وقوله : { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } . عن ابن عباس أنه كان يقول : ما أخذت التشهد إلاّ من كتاب الله ، سمعت الله يقول : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } فالتشهد في الصلاة : التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، وقوله : { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } لما ذكر تعالى ما في هذه السور الكريمة من الأحكام المحكمة والشرائع المتقنة المبرمة ، نبه تعالى عباده على أنه يبين لعباده الآيات بياناً شافياً ليتدبروها ويتعقلوها لعلهم يعقلون .