Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 21-24)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن تعنت الكفار في كفرهم وعنادهم في قولهم : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } أي بالرسالة كما تنزل على الأنبياء ، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى { قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 124 ] ، ويحتمل أن يكون مرادهم هٰهنا { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } فنراهم عياناً فيخبرونا أن محمداً رسول الله ، كقولهم { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } [ الإسراء : 92 ] ، ولهذا قالوا { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } ، ولهذا قال الله تعالى : { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } ، وقوله تعالى : { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } أي هم يوم يرونهم بشرى يومئذٍ لهم ، وذلك يصدق على وقت الاحتضار ، حين تبشرهم الملائكة بالنار ، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه : أخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث ، أخرجي إلى سموم وحميم وظل من يحموم ، فتأبى الخروج وتتفرق في البدن فيضربونه ، كما قال الله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [ الأنفال : 50 ] الآية . وقال تعالى : { وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } [ الأنعام : 93 ] أي بالضرب ، ولهذا قال في هذه الآية الكريمة : { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } وهذا بخلاف حال المؤمنين حال احتضارهم فإنهم يبشرون بالخيرات ، وحصول المسرات ، قال الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ فصلت : 30 ] ، وفي " الصحيح " عن البراء بن عازب : إن الملائكة تقول لروح المؤمن : أخرجي أيتها النفس الطيبة في الجسد الطيب إن كنت تعمرينه ، أخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان ، وقال آخرون : بل المراد بقوله { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ } يعني يوم القيامة ، قاله مجاهد والضحاك وغيرهما ، ولا منافاة بين هذا وما تقدم ، فإن الملائكة في هذين اليومين - يوم الممات ويوم المعاد - تتجلى للمؤمنين وللكافرين ، فتبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران ، فلا بشرى يومئذٍ للمجرمين { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } أي وتقول الملائكة للكافرين : حرام محرم عليكم الفلاح اليوم ، وأصل الحجر المنع ، ومنه يقال : حجر القاضي على فلان إذا منعه التصرف ، إما لسفهٍ أو صغرٍ أو نحو ذلك ؛ ومنه يقال للعقل ( حِجْر ) لأنه يمنع صاحبه عن تعاطي ما لا يليق ، والغرض أن الضمير في قوله : { وَيَقُولُونَ } عائد على الملائكة ، هذا قول مجاهد وعكرمة والضحاك واختاره ابن جرير . وقوله تعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } الآية ، هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر ، فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء ، وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي إما الإخلاص فيها ، وإما المتابعة لشرع الله ، فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل ، ولهذا قال تعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } ، عن علي رضي الله عنه في قوله { هَبَآءً مَّنثُوراً } قال : شعاع الشمس إذا دخل الكوة وكذا قال الحسن البصري : هو الشعاع في كوة أحدكم ولو ذهب يقبض عليه لم يستطع ، وقال ابن عباس { هَبَآءً مَّنثُوراً } قال : هو الماء المهراق ، قال قتادة : أما رأيت يبس الشجر إذا ذرته الريح ؟ فهو ذلك الورق . وروى عبد الله بن وهب عن عبيد بن يعلى قال : إن الهباء الرماد إذا ذرته الريح ، وحاصل هذه الأقوال التنبيه على مضمون الآية ، وذلك أنهم عملوا أعمالاً اعتقدوا أنها على شيء فلما عرضت على الملك الحكم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحداً إذا بها لا شيء بالكلية ، وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق ، الذي لا يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية ، كما قال تعالى : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ } [ إبراهيم : 18 ] الآية ، وقال تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } [ النور : 39 ] . وقوله تعالى : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } أي يوم القيامة { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } [ الحشر : 20 ] وذلك أن أهل الجنة يصيرون إلى الدرجات العاليات ، والغرفات الآمنات ، فهم في مقام أمين حسن المنظر طيب المقام { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } [ الفرقان : 76 ] وأهل النار يصيرون إلى الدركات السافلات ، وأنواع العذاب والعقوبات { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } [ الفرقان : 66 ] أي بئس المنزل منظراً وبئس المقيل مقاماً ، ولهذا قال تعالى : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } أي بما عملوه من الأعمال المتقبلة نالوا ما نالوا وصاروا إلى ما صاروا إليه بخلاف أهل النار ، فإنهم ليس لهم عمل واحد يقتضي دخول الجنة لهم والنجاة من النار ، فنبه تعالى بحال السعداء على حال الأشقياء وأنه لا خير عندهم بالكلية ، فقال تعالى : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } ، قال ابن عباس : إنما هي ساعة فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين ، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين ، وقال سعيد بن جبير : يفرغ الله من الحساب نصف النهار فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، قال الله تعالى : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } ، قال قتادة : أي مأوى ومنزلاً . وقال ابن جرير عن سعيد الصواف : أنه بلغه أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس ، وإنهم يتقلبون في رياض الجنة ، حتى يفرغ من الناس ، وذلك قوله تعالى : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } .