Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 51-54)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } يدعوهم إلى الله عزَّ وجلَّ ، ولكنا خصصناك يا محمد بالبعثة إلى جميع أهل الأرض ، وأمرناك أن تبلغهم هذا القرآن { لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [ الأعراف : 158 ] ، وفي " الصحيحين " : " بعثت إلى الأحمر والأسود " ، وفيهما " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " ، ولهذا قال تعالى : { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ } يعني بالقرآن ، قاله ابن عباس { جِهَاداً كَبيراً } ، كما قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } [ التوبة : 73 ] الآية ، وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي خلق الماءين الحلو والملح ، فالحلو كالأنهار والعيون والآبار . قاله ابن جريج واختاره ابن جرير ، وهذا المعنى لا شك فيه ، فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات ، والله سبحانه وتعالى إنما أخبر بالواقع لينبه العباد على نعمه عليهم ليشكروه ، فالبحر العذب فرقه الله تعالى بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهاراً أو عيوناً في كل أرض ، بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأراضيهم ، وقوله تعالى : { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي مالح ، مرٌّ ، زُعاق لا يستساغ ، وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب ، البحر المحيط وبحر فارس وبحر الصين والهند وبحر الروم وبحر الخزر ، وما شاكلها وشابهها من البحار الساكنة التي لا تجري ، ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح ، ومنها ما فيه مد وجزر ، ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض ، فإذا شرع الشهر في النقصان جزرت حتى ترجع إلى غايتها الأولى ، فأجرى الله سبحانه وتعالى - وهو ذو القدرة التامة - العادة بذلك ؛ فكل هذه البحار الساكنة خلقها الله سبحانه وتعالى مالحة ، لئلا يحصل بسببها نتن الهواء ، فيفسد الوجود بذلك ، ولئلا تجوى الأرض بما يموت فيها من الحيوان ، ولما كان ماؤها ملحاً كان هواؤها صحيحاً وميتها طيبة ؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن ماء البحر : أنتوضأ به ؟ فقال : " هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته " وقوله تعالى : { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً } أي بين العذب والمالح { بَرْزَخاً } أي حاجزاً وهو اليبس من الأرض { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } أي مانعاً من أن يصل أحدهما إلى الآخر ، كقوله تعالى : { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } [ الرحمن : 19 - 20 ] ، وقوله تعالى : { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ النمل : 61 ] ، وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً } الآية ، أي خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسوَّاه وعدّله ، وجعله كامل الخلقة ذكراً وأنثى كما يشاء ، { فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً } فهو في ابتداء أمره ولد نسيب ، ثم يتزوج فيصير صهراً ، ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات ، وكل ذلك من ماء مهين ، ولهذا قال تعالى : { وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } .