Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 7-14)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم ، وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم ، وإنما تعللوا بقولهم : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ } يعنون كما نأكله ، ويحتاج إليه كما نحتاج إليه { وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } أي يتردد فيها وإليها طلباً للتكسب والتجارة { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } يقولون : هلا أنزل إليه ملك من عند الله فيكون له شاهداً على صدق ما يدعيه ؟ وهذا كما قال فرعون : { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } [ الزخرف : 53 ] وكذلك قال هؤلاء على السواء تشابهت قلوبهم ، ولهذا قالوا { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ } أي علم كنز ينفق منه { أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } أي تسير معه حيث سار ، وهذا كله سهل يسير على الله ولكن له الحكمة في ترك ذلك ، وله الحجة البالغة ، { وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } ، قال الله تعالى : { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ } أي جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به عليك ، من قولهم ساحر ، مجنون ، كذاب ، شاعر ؛ وكلها أقوال باطلة ، كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك ، ولهذا قال : { فَضَلُّواْ } عن طريق الهدى { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } ، وذلك أن كل من خرج عن الحق وطريق الهدى فإنه ضال حيثما توجه ، لأن الحق واحد ومنهجه متحد يصدق بعضه بعضاً ؛ ثم قال تعالى مخبراً نبيه أنه إن شاء لآتاه خيراً مما يقولون في الدنيا وأفضل وأحسن ، فقال : { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } الآية قال مجاهد : يعني في الدنيا ، قال : وقريش يسمون كل بيت من حجارة قصراً ، كبيراً كان أو صغيراً . قال سفيان الثوري عن خيثمة قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك ، ولا نعطي أحداً من بعدك ، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله . فقال : " اجمعوها لي في الآخرة " ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ في ذلك { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } الآية . وقوله تعالى : { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } أي إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيباً وعناداً ، لا أنهم يطلبون ذلك تبصراً واسترشاداً ، بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال ، { وَأَعْتَدْنَا } أي أرصدنا { لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } أي عذاباً أليماً حاراً لا يطاق في نار جهنم ، وقوله : { إِذَا رَأَتْهُمْ } أي جهنم { مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } يعني في مقام المحشر ، فقال السدي : من مسيرة مائة عام { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } أي حنقاً عليهم ، كما قال تعالى : { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } [ الملك : 7 - 8 ] أي يكاد ينفصل بعضها من بعض من شدة غيظها على من كفر بالله . عن أبي وائل قال : خرجنا مع عبد الله بن مسعود ومعنا الربيع بن خيثم ، فمروا على حداد ، فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار ، وينظر الربيع بن خيثم إليها ، فتمايل الربيع ليسقط ، فمر عبد الله على أتون على شاطئ الفرات ، فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } فصعق ، يعني الربيع ، وحملوه إلى أهل بيته ، فرابطه عبد الله إلى الظهر ، فلم يفق رضي الله عنه . وعن مجاهد بإسناده إلى ابن عباس قال : إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض فيقول لها الرحمن : مالك ؟ قالت : إنه يستجير مني فيقول : أرسلوا عبدي ، وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول : يا رب ما كان هذا الظن بك فيقول : فما كان ظنك ؟ فيقول : أن تسعني رحمتك ، فيقول : أرسلوا عبدي ، وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهقة البغلة إلى الشعير ، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلاّ خاف . وقال عبيد بن عمير في قوله : { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } قال : إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلاّ خرَّ لوجهه ، ترتعد فرائصه ، حتى إن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ، ويقول : رب لا أسألك اليوم إلاّ نفسي ، وقوله : { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ } قال قتادة : مثل الزج في الرمح أي من ضيقه ، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله : { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ } قال : " والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط " وقوله : { مُّقَرَّنِينَ } يعني مكتفين { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } أي بالويل والحسرة والخيبة ، { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً } الآية . روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " أول من يكسى حلة من النار إبليس ، فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه ، وذريته من بعده ، وهو ينادي : يا ثبوراه ، وينادون : يا ثبورهم ، حتى يقفوا على النار ، فيقول : يا ثبوراه ، ويقولون : يا ثبورهم ، فيقال لهم : { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } " عن ابن عباس : أي لا تدعوا اليوم ويلاً واحداً وادعوا ويلاً كثيراً ، وقال الضحاك : الثبور الهلاك ، والأظهر أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار ، كما قال موسى لفرعون : { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } [ الإسراء : 102 ] أي هالكاً .