Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 87-90)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن هول يوم نفخة الفزع في الصور ، وفي حديث الصور : إن إسرافيل هو الذي ينفخ فيه بأمر الله تعالى ، فينفخ فيه أولاً نفخة الفزع ويطولها ، وذلك في آخر عمر الدنيا حين تقوم الساعة على شرار الناس من الأحياء ، فيفزع من في السماوات ومن في الأرض { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } وهم الشهداء فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، وفي حديث مسلم الطويل قال : " فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً فيتمثل لهم الشيطان فيقول : ألا تستيجيبون ؟ فيقولون : فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دارٌّ رزقهم حسن عيشهم ، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلاّ أصغى ليتا ورفع ليتا . قال - وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال : فيصعق ويصعق الناس ، ثم يرسل الله - أو قال ينزل الله - مطراً كأنه الطل - أو قال الظل ، فتنبت منه أجساد الناس ، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ، ثم يقال : يا أيها الناس هلموا إلى ربكم { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } ثم يقال : أخرجوا بعث النار : فيقال : من كم ؟ فيقال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون قال : فذلك يوم يجعل الولدان شيباً وذلك يوم يكشف عن ساق " وقوله : ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلاّ أصغى ليتا ورفع ليتا الليت هو صفحة العنق أي أمال عنقه ليستمعه من السماء جيداً ، فهذه ( نفخة الفزع ) ثم بعد ذلك ( نفخة الصعق ) وهو الموت ، ثم بعد ذلك ( نفخة القيام لرب العالمين ) وهو النشور من القبور لجميع الخلائق ، ولهذا قال تعالى : { وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } أي صاغرين مطيعين لا يتخلف أحد عن أمره كما قال تعالى : { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } [ الإسراء : 52 ] . وقال تعالى : { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } [ الروم : 25 ] وفي حديث الصور : أنه في النفخة الثالثة يأمر الله الأرواح فتوضع في ثقب في الصور ، ثم ينفخ إسرافيل فيه بعدما تنبت الأجساد في قبورها وأماكنها ، فإذا نفخ في الصور طارت الأرواح تتوهج ، أرواح المؤمنين نوراً ، وأرواح الكافرين ظلمة ، فيقول الله عزَّ وجلَّ : وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها ، فتجيء الأرواح إلى أجسادها فتدب فيها كما يدب السم في اللديغ ، ثم يقومون ينفضون التراب من قبورهم ، قال الله تعالى : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } [ المعارج : 43 ] ، وقوله تعالى : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } أي تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه ، وهي تمر مر السحاب أي تزول عن أماكنها ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } [ الطور : 9 - 10 ] ، وقال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 105 - 107 ] ، وقال تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } [ الكهف : 47 ] ، وقوله تعالى : { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } أي يفعل ذلك بقدرته العظيمة { ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } أي أتقن كل ما خلق وأودع فيه من الحكمة ما أودع ، { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } أي هو عليم بما يفعل عباده من خير وشر وسيجازيهم عليه أتم الجزاء ثم بيَّن تعالى حال السعداء والأشقياء يومئذٍ فقال : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } ، قال قتادة : بالإخلاص ، وقال زين العابدين : هي لا إلٰه إلاّ الله . وقد بين تعالى في الموضع الآخر أن له عشر أمثالها { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } ، كما قال في الآية الأخرى : { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [ الأنبياء : 103 ] ، وقال تعالى : { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ فصلت : 40 ] ، وقال تعالى : { وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } [ سبأ : 37 ] ، وقوله تعالى : { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } أي من لقي الله مسيئاً لا حسنة له أو قد رجحت سيئاته على حسناته كل بحسبه ، ولهذا قال تعالى : { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . وقال ابن مسعود وابن عباس والضحاك والحسن وقتادة في قوله { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } يعني بالشرك .