Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 52-55)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن ، كما قال تعالى : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [ البقرة : 121 ] ، وقال تعالى : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للَّهِ } [ آل عمران : 199 ] . قال سعيد بن جبير : نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم : { يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } [ يس : 1 - 2 ] حتى خمتها ، فجعلوا يبكون وأسلموا ، ونزلت فيهم هذه الآية الآخرى : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } يعني من قبل هذا القرآن كنا مسلمين أي موحدين مخلصين لله مستجيبين له ، قال الله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ } أي هؤلاء المتصفون بهذه الصفة الذين آمنوا بالكتاب الأول ، ثم بالثاني ، ولهذا قال : { بِمَا صَبَرُواْ } أي على اتباع الحق ، فإن تجشم مثل هذا شديد على النفوس ، وقد ورد في الصحيح : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي ، وعبد مملوك أدّى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت له أَمَة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوجها " ، وفي الحديث : " من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين ، وله ما لنا وعليه ما علينا " ، وقوله تعالى : { وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } أي لا يقابلون السيء بمثله ولكن يعفون ويصفحون ، { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أي ومن الذي رزقهم من الحلال ينفقون على خلق الله في الزكاة المفروضة ، وصدقات النفل والقربات ، وقوله تعالى : { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } أي لا يخالطون أهله ولا يعاشرونهم ، بل كما قال تعالى : { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } [ الفرقان : 72 ] ، { وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } أي إذا سفه عليهم سفيه وكلمهم بما لا يليق أعرضوا عنه ، ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح ، ولا يصدر عنهم إلاّ كلام طيب ، وقالوا : { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } أي لا نريد طريق الجاهلين ولا نحبها . قال محمد بن إسحاق : ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلاً أو قريب من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه وكلموه وساءلوه ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ، فلما فرغوا من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم إلى الله تعالى ، وتلا عليهم القرآن ، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه ، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره ، فلما قاموا عنه اعترضهم ( أبو جهل بن هشام ) في نفر من قريش فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب ، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده ، حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال ، ما نعلم ركباً أحمق منكم ، فقالوا لهم : سلام عليكم لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، قال ويقال : إن النفر النصارى من أهل نجران وفيهم نزلت هذه الآيات { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } ، إلى قوله : { لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } قال : وسألت الزهري عن هذه الآيات فيمن نزلت ؟ قال : ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في ( النجاشي ) وأصحابه رضي الله عنهم ، والآيات اللاتي في سورة المائدة { ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً } [ الآية : 82 ] إلى قوله { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ الآية : 83 ] .