Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 124-129)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف المفسرون في هذا الوعد : هل كان يوم بدر أو يوم أُحُد ؟ على قولين : أحدهما : إن قوله : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ } متعلق بقوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } [ آل عمران : 123 ] واختاره ابن جرير . قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ } ، قال : هذا يوم بدر . وقال الربيع بن أنَس : أمد الله المسلمين بألف ، ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف ، فإن قيل : فما الجمع بين هذه الآية على هذا القول وبين قوله في قصة بدر : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [ الأنفال : 9 ] - إلى قوله - { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال : 10 ] ؟ فالجواب أن التنصيص على الألف هٰهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله : { مُرْدِفِينَ } بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم ، وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران ، فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر ، والله أعلم . ( القول الثاني ) : إن هذا الوعد متعلق بقوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } [ آل عمران : 121 ] وذلك يوم أُحُد ، وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك ، لكن قالوا : لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف لأن المسلمين فروا يومئذٍ . وقوله تعالى : { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } يعني تصبروا على مصابرة عدوكم ، وتتقوني وتطيعوا أمري ، وقوله تعالى : { وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } ، قال الحسن وقتادة : أي من وجههم هذا ، وقال مجاهد وعكرمة : أي من غضبهم هذا . وقال ابن عباس : من سفرهم هذا ، ويقال : من غضبهم هذا ، وقوله تعالى : { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } أي معلمين بالسيما . عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض ، وكان سيماهم أيضاً في نواصي خيولهم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه في هذه الآية { مُسَوِّمِينَ } قال : بالعهن الأحمر ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : أتت الملائكة محمداً صلى الله عليه وسلم مسوّمين بالصوف فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف ، وقال قتادة وعكرمة : { مُسَوِّمِينَ } أي بسيما القتال . وعن ابن عباس قال : كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم ، ويوم حنين عمائم حمر ، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر ، وكانوا يكونون عدداً ومدداً لا يضربون . وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } أي وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالهم إلا بشارة لكم وتطييباً لقلوبكم وتطميناً ، وإلا فإنما النصر من عند الله الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم ، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم ، كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } [ محمد : 4 ] ، ولهذا قال هٰهنا : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } أي هو ذو العزة التي لا ترام ، والحكمة في قدره والأحكام . ثم قال تعالى : { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أي أمركم بالجهاد والجلاد لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير ، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين ، فقال : { لِيَقْطَعَ طَرَفاً } أي ليهلك أمة { مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ } أي يرجعوا { خَآئِبِينَ } ، أي لم يحصلوا على ما أملوا ، ثم اعترض بجملة دلت على أن الحكم في الدنيا والآخرة له وحده لا شريك له فقال تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } ، أي بل الأمر كله إليّ ، كما قال تعالى : { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } [ الرعد : 40 ] ، وقال : { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 272 ] ، وقال : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] ، وقال محمد بن إسحاق في قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم . ثم ذكر بقية الأقسام فقال : { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة { أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } أي في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم ، ولهذا قال : { فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } أي يستحقون ذلك ، قال البخاري : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم حتى أنزل الله تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } الآية . وقال البخاري أيضاً ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعوا على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع وربما قال : إذا قال : " سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد : اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين . اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " يجهر بذلك ، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر : " اللهم العن فلاناً وفلاناً " لأحياء من أحياء العرب حتى أنزل الله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } الآية . وقال الإمام أحمد : عن أنَس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أُحُد وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال : " كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم عزّ وجلّ " فأنزل الله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } . وقال ابن جرير : عن قتادة قال : أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته ، وفرق حاجبه ، فوقع وعليه درعان والدم يسيل ، فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح عن وجهه ، فأفاق وهو يقول : " كيف بقوم فعلوا هذا بنبيّهم وهو يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ ؟ " فأنزل الله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } الآية . ثم قال تعالى : { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } الآية ، أي الجميع ملك له ، وأهلهما عبيد بين يديه ، { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } أي هو المتصرف فلا معقب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .