Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 144-148)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحُد وقتل من قتل منهم ، نادى الشيطان : ألا إن محمداً قد قتل ، ورجع ( ابن قميئة ) إلى المشركين فقال لهم : قتلت محمداً ، وإنما كان قد ضرب رسول الله فشجه في رأسه ، فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس ، واعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل وجوزوا عليه ذلك - كما قد قص الله عن كثير من الأنبياء عليهم السلام - فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال ، ففي ذلك أنزل الله تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } أي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه . قال ابن أبي نجيح عن أبيه : إن رجلاً من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال له : يا فلان أشعرت أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فقال الأنصاري : إن كان محمداً قد قتل فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم ، فنزل : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } . ثم قال تعالى منكراً على من حصل له ضعف : { أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } أي رجعتم القهقرى ، { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } أي الذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه ، واتبعوا رسوله حياً وميتاً ، وكذلك ثبت في الصحاح والمسانيد والسنن أن الصدّيق رضي الله عنه تلا هذه الآية لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم . عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد ، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغطى بثوب حبرة : فكشف عن وجهه ثم أكب عليه وقبّله وبكى ، ثم قال : بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين : أما الموتة التي كتب عليك فقد متها ، وروى الزهري : عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال : اجلس يا عمر ، قال أبو بكر : أما بعد من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، قال الله تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } إلى قوله : { وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } ، قال : فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها عليهم أبو بكر ، فتلاها منه الناس كلهم فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها . وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرقت حتى ما تقلني رجلاي ، وحتى هويت إلى الأرض . وقال أبو القاسم الطبراني ، عن عكرمة عن ابن عباس : أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت ، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه فمن أحق به مني ؟ وقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً } أي لا يموت أحد إلا بقدر الله وحتى يستوفي المدة التي ضربها الله له ، ولهذا قال : { كِتَاباً مُّؤَجَّلاً } كقوله : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } [ فاطر : 11 ] ، وكقوله : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ } [ الأنعام : 2 ] وهذه الآية فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال ، فإن الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه ، كما قال ابن أبي حاتم عن حبيب بن ظبيان : قال رجل من المسلمين وهو ( حجر بن عدي ) : ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو هذه النطفة - يعني دجلة - { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً } ثم أقحم فرسه دجلة ، فلما أقحم أقحم الناس ، فلما رآهم العدوّ قالوا : ديوان … فهربوا . وقوله تعالى : { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } أي من كان عمله للدنيا فقط ناله منها ما قدره الله له ، ولم يكن له في الآخرة من نصيب ، ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله منها وما قسم له في الدنيا كما قال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] ، وقال تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } [ الإسراء : 18 - 19 ] ، ولهذا قال هٰهنا : { وَسَنَجْزِي ٱلشَّاكِرِينَ } أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم . ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين عما كان وقع في نفوسهم يوم أحد ، { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } قيل معناه : كم من نبي قتل وقتل معه ربيون من أصحابه كثير ، وهذا القول هو اختيار ابن جرير . وقد عاتب الله بهذه الآيات والتي قبلها من انهزم يوم أحد وتركوا القتال لما سمعوا الصائح يصيح بأن محمداً قد قتل ، فعذلهم الله على فرارهم وتركهم القتال فقال لهم : { أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ } ، أيها المؤمنون ارتددتم عن دينكم و { ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } وقيل : وكم من نبي قتل بين يديه من أصحابه ربيون كثير . وكلام ابن إسحاق في السيرة يقتضي قولاً آخر ، فإنه قال : وكأين من نبي أصابه القتل ومع ربيون أي جماعات فما وهنوا بعد نبيهم ، وما ضعفوا عن عدوهم ، وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم ، وذلك الصبر { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } . فجعل قوله : { مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } حالاً ، وقد نصر هذا القول السهيلي وبالغ فيه ، وله اتجاه لقوله : { فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ } الآية . وقرأ بعضهم : { قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } أي ألوف ، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : الربيون الجموع الكثيرة ، وقال الحسن : { رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } ، أي علماء كثير ، وعنه أيضاً : علماء صبر أي أبرار أتقياء ، وحكى ابن جرير عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب عزّ وجلّ ، قال : ورد بعضهم عليه فقال : لو كان كذلك لقيل الربيون بفتح الراء ، وقال ابن زيد : الربيون الأتباع والرعية والربانيون الولاة ، { فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } ، قال قتادة : { وَمَا ضَعُفُواْ } بقتل نبيهم ، { وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } يقول : فما ارتدوا عن نصرتهم ولا عن دينهم أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله ، وقال ابن عباس : { وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } تخشعوا ، وقال ابن زيد : وما ذلوا لعدوهم ، { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } أي لم يكن لهم هجير إلا ذلك ، { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا } أي النصر والظفر والعاقبة { وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ } أي جمع لهم ذلك مع هذا { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } .