Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 149-153)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يحذر تعالى عباده المؤمنين عن طاعة الكافرين والمنافقين ، فإن طاعتهم تورث الردى في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال تعالى : { إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } ، ثم أمرهم بطاعته وموالاته والاستعانة به والتوكل عليه فقال تعالى : { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } ، ثم بشرهم بأنه سيلقي في قلوب أعدائهم الخوف منهم والذلة لهم بسبب كفرهم وشركهم ، مع ما ادخره لهم في الدار الآخرة من العذاب والنكال ، فقال : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } وقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، وأحلت لي الغنائم ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " وقال الإمام أحمد : عن أبي موسى قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمساً : بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي ، ونصرت بالرعب مسيرة شهر ، وأعطيت الشفاعة ، وليس من نبي إلا وقد سأل الشفاعة وإني قد اختبأت شفاعتي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً " قال ابن عباس في قوله تعالى { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } قذف الله في قلب أبي سفيان الرعب فرجع إلى مكة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفاً ، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب " وقوله تعالى : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } قال ابن عباس : وعدهم الله النصر ، { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } أي تقتلونهم { بِإِذْنِهِ } أي بتسليطه إياكم عليهم { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } الفشل : الجبن { وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ } كما وقع للرماة { مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } وهو الظفر بهم { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } وهم الذين رغبوا في المغنم حين رأوا الهزيمة { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } ثم أدالهم عليكم ليختبركم ويمتحنكم { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } أي غفر لكم ذلك الصنيع . قال ابن جريج : قوله : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } قال : لم يستأصلكم { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } . عن ابن مسعود قال : إن النساء كن يوم أحُد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين ، فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبر ، أنه ليس منا أحد يريد الدنيا حتى أنزل الله : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } ، فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به أفرد النبي صلى الله عليه وسلم في تسعة ، سبعة من الأنصار ورجلين من قريش وهو عاشرهم صلى الله عليه وسلم ، فلما أرهقوه قال : " " رحم الله رجلاً ردهم عنا " ، قال : فقام رجل من الأنصار فقاتل ساعة حتى قتل ، فلما أرهقوه أيضاً قال : " رحم الله رجلاً ردهم عنا " ، فلم يزل يقول ذلك حتى قتل السبعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه : " ما أنصفنا أصحابنا " ، فجاء أبو سفيان فقال : اعل هبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قولوا الله أعلى وأجل ، فقالوا : الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قولوا : الله مولانا والكافرون لا مولى لهم " ، فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ( فيوم علينا ويوم لنا : ويوم نساء ويوم نسر ) حنظلة بحنظلة وفلان بفلان : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا سواء : أما قتلانا فأحياء يرزقون ؛ وأما قتلاكم ففي النار يعذبون " ، فقال أبو سفيان : لقد كان في القوم مُثْلة - وإن كانت لعن غير مَليّ منا - ما أمرت ولا نهيت ، ولا أحببت ولا كرهت ، ولا ساءني ولا سرني ، قال : فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه ، وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكلت شيئاً " ؟ قالوا : لا ، قال : " ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة في النار " ، قال : فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه ، وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة ، حتى جيء بآخر فوضع إلى جنب حمزة فصلى عليه ، ثم رفع وترك حمزة ، حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة " . وقال البخاري عن البراء قال : " لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم حبشاً من الرماة وأمر عليهم ( عبد الله بن جبير ) ، وقال : " لا تبرحوا ، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا " . فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفعن عن سوقهن . قد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون : الغنيمة الغنيمة ، فقال عبد الله بن جبير : عهد إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا فأبوا ، فلما أبوا صرف وجوههم فأصيب سبعون قتيلاً ، فأشرف أبو سفيان فقال : أفي القوم محمد ، فقال : " لا تجيبوه " ، فقال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ قال : " لا تجيبوه " ، فقال : أفي القوم ابن الخطاب ، فقال : إن هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا ، فلم يملك عمر نفسه فقال له : كذبت يا عدو الله ، أبقى الله لك ما يحزنك ؛ قال أبو سفيان : اعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أجيبوه " ، قالوا : ما نقول ؟ قال : " قولوا : الله أعلى وأجل " ، قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أجيبوه " ، قالوا : ما نقول ؟ قال : " قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم " ، قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ؛ وستجدون مُثْلة لم آمر بها ولم تسؤني " وعن الزبير بن العوام قال : والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هنا وصواحباتها مشمرات هوارب ما دون أخذهن كثير ولا قليل ، ومالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب ، وخلوا ظهورنا للخيل فأوتينا من أدبارنا ، وصرخ صارخ ألا إن محمداً قد قتل ، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم ، قال محمد بن إسحاق : فلم يزل لواء المشركين صريعاً حتى أخذته ( عمرة بنت علقمة الحارثية ) فدفعته لقريش فلاثوا بها وقال السدي عن عبد الله بن مسعود قال : ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل فينا ما نزل يوم أحُد { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } . وقوله تعالى : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } ، قال ابن إسحاق : انتهى أنَس بن النضر عم أنَس بن مالك إلى ( عمر بن الخطاب ) و ( طلحة بن عبد الله ) في رجال من المهاجرين والأنصار قد ألقوا ما بأيديهم ، فقال : ما يخليكم ؟ فقالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه ؛ ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه - وقال البخاري عن أنَس بن مالك أن عمه يعني ( أنَس بن النضر ) غاب عن بدر فقال : غبت عن أول قتال النبي صلى الله عليه وسلم لئن أشهدني الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَرينَّ الله ما أجد ، فلقي يوم أحد فهزم الناس ، فقال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - وأبرأ إليك مما جاء به المشركون ؛ فتقدم بسيفه فلقي سعد بن معاذ فقال : أين يا سعد إني أجد ريح الجنة دون أحد ، فمضى فقتل فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم . وقوله تعالى : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ } أي صرفكم عنهم إذ تصعدون أي في الجبال هاربين من أعدائكم ، { وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ } أي وأنتم لا تلوون على أحد من الدهش والخوف والرعب ، { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَاكُمْ } أي وهو قد خلفتموه وراء ظهوركم يدعوكم إلى ترك الفرار من الأعداء ، وإلى الرجعة والعودة والكرة ، قال السدي : لما اشتد المشركون على المسلمين بأحد فهزموهم دخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم إلى الجبل فوق الصخرة فقاموا عليها ، فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس : " إليّ عباد الله ، إليّ عباد الله " ، فذكر الله صعودهم إلى الجبل ، ثم ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إياهم فقال : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَاكُمْ } . وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : " جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلاً - ( عبد الله بن جبير ) ، قال : ووضعهم موضعاً ، وقال : " إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم " ، قال ، فهزموهم ، قال : فلقد والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت أسواقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد الله : الغنيمة أي قوم الغنيمة ! ظهر أصحابكم فما تنظرون ؟ قال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : إنا لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة . فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم ، فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً فأصابوا منا سبعين . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعين ، سبعين أسيراً وسبعين قتيلاً . قال أبو سفيان : أفي القوم محمد ، أفي القوم محمد ، أفي القوم محمد ؟ ثلاثاً - قال فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ، ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة ، أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن الخطاب ، أفي القوم ابن الخطاب ؟ ثم أقبل على أصحابه ، فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا وكفيتموهم ، فما ملك عمر نفسه أن قال : كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم ، وقد أبقى الله لك ما يسوؤك ، فقال : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال . إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني . ثم أخذ يرتجز يقول : اعل هبل ، اعل هبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا تجيبوه " ؟ قالوا : يا رسول الله ما نقول ؟ قال : " قولوا الله أعلى وأجل " ، قال : لنا العزى ولا عزى لكم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا تجيبوه " ؟ قالوا : يا رسول الله وما نقول ؟ قال : " قولوا الله مولانا ولا مولى لكم " " . وقد روى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال : رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يعني يوم أحد ، وفي الصحيحين ، عن أبي عثمان النهدي قال : لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا طلحة بن عبيد الله وسعد عن حديثهما . وعن سعيد بن المسيب يقول : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد ، وقال : " ارم فداك أبي وأمي " ، وعن سعد بن أبي وقاص أنه رمى يوم أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني النبل ، ويقول : " ارم فداك أبي وأمي " حتى أنه ليناولني السهم ليس له نصل فأرمي به . وثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : " رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده ، يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام ، وعن أنَس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار واثنين من قريش ، فلما أرهقوه قال : " من يردهم عنا وله الجنة - أو هو رفيقي في الجنة - " ، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، ثم أرهقوه أيضاً فقال : " من يردهم عنا وله الجنة " فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه : " ما أنصفنا أصحابنا " وقال أبو الأسود عن عروة بن الزبير قال : " كان ( أُبيّ بن خلف ) أخو بني جمح قد حلف وهو بمكة ليقتلن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفته قال : " بل أنا أقتله إن شاء الله " ، فلما كان يوم أُحُد أقبل ( أُبيّ ) في الحديد مقنعاً وهو يقول : لا نجوتُ إن نجا محمد ، فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قتله ، فاستقبله ( مصعب بن عمير ) أخو بني عبد الدار يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فقتل مصعب بن عمير ، وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي بن خلف من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة وطعنه فيها بحربته فوقع إلى الأرض عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم ، فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور ، فقالوا له : ما أجزعك إنما هو خدش ؟ فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل أنا أقتل أُبيًّا " ، ثم قال : والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون " ، فمات إلى النار { فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك : 11 ] . وذكر محمد بن إسحاق قال : " لما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه ( أُبيّ بن خلف ) وهو يقول : لا نجوتُ إن نجوتَ ، فقال القوم : يا رسول الله يعطف عليه رجل منا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوه " ، فلما دنا منه تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة ، فقال بعض القوم كما ذكر لي : فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انفضَّ ، ثم استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مراراً " . وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشتد غضب الله على قوم فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو حينئذ يشير إلى رباعيته - واشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله " وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : " كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال : ذاك يوم كله لطلحة ، ثم أنشأ يحدث ، قال : كنت أول من فاء يوم أحد فرأيت رجلاً يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه - وأراه قال حميَّة - فقلت : كن طلحة حيث فاتني ما فاتني ، فقلت : يكون رجلاً من قومي أحب إلي ، وبيني وبين المشركين رجل لا أعرفه وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، وهو يخطف المشي خطفاً لا أعرفه فإذا هو ( أبو عبيدة بن الجراح ) فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه ، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكما صاحبكما يريد طلحة " وقد نزف فلم نلتفت إلى قوله قال : وذهبت لأنزع ذلك من وجهه ، فقال ( أبو عبيدة ) : أقسمت عليك بحقي لما تركتني فتركته ، فكره أن يتناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأزمَّ عليها بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين ، ووقعت ثنيته مع الحلقة ، وذهبت لأصنع ما صنع فقال : أقسمت عليك بحقي لما تركتني ، قال ، ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى ، ووقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة ، فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتماً ، فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتينا ( طلحة ) في بعض تلك الجفار ، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة ورمية وضربة ، وإذا قد قطعت أصبعه ، فأصلحنا من شأنه " وقال ابن وهب : إن ( مالكاً ) أبا أبي سعيد الخدري لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد مصَّ الجرج حتى أنقاه ولاح أبيض فقيل له : مجه ، فقال : لا والله لا أمجه أبداً ، ثم أدبر يقاتل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فاستشهد " وقد ثبت في الصحيحين عن سهل بن سعد أنه سئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه صلى الله عليه وسلم ، فكانت فاطمة تغسل الدم وكان علي يسكب عليه الماء بالمجن ، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها ، حتى إذا صارت رماداً ألصقته بالجرح فاستمسك الدم . وقوله تعالى : { فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ } أي فجزاكم غماً على غم ، كما تقول العرب : نزلت ببني فلان ، ونزلت على بني فلان ، وقال ابن جرير : وكذا قوله : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [ طه : 71 ] أي على جذوع النخل . قال ابن عباس : الغم الأول بسبب الهزيمة وحين قيل قتل محمد صلى الله عليه وسلم ، والثاني حين علاهم المشركون فوق الجبل ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم ليس لهم أن يعلونا " ، وعن عبد الرحمٰن بن عوف : الغم الأول بسبب الهزيمة ، والثاني حين قيل : قُتل محمد صلى الله عليه وسلم كان ذلك عندهم أشد وأعظم من الهزيمة . وقال السدي : الغم الأول بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح ، والثاني بإشراف العدو عليهم . وقال محمد بن إسحاق : { فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ } أي كرباً بعد كرب من قتل من قتل من إخوانكم ، وعلو عدوكم عليكم ، وما وقع في أنفسكم من قتل نبيكم ، فكان ذلك متتابعاً عليكم غماً بغم . وقال مجاهد وقتادة : الغم الأول سماعهم قتل محمد ، والثاني ما أصابهم من القتل والجراح . وقوله تعالى : { لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } أي على ما فاتكم من الغنيمة والظفر بعدوكم { وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ } من الجراح والقتل قاله ابن عباس والسدي { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } سبحانه وبحمده ، لا إله إلا هو جل وعلا .