Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 185-186)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى إخباراً عاماً يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } [ الرحمن : 26 - 27 ] ، فهو تعالى وحده الحي الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون ، وكذلك الملائكة وحملة العرش وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء فيكون آخراً كما كان أولاً ، وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت ، فإذا انقضت المدة وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية ، أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها ، كثيرها وقليلها ، كبيرها وصغيرها ، فلا يظلم أحداً مثقال ذرة ، ولهذا قال تعالى : { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } . روى ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية ، جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه ، فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفاً من كل هالك ، ودركاً من كل فائت ، فبالله ثقوا وإياه فارجو ، فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، قال جعفر بن محمد : فأخبرني أبي أن علي بن أبي طالب قال : أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام ، وقوله : { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } أي من جنب النار ونجا منها وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز . وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم : { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } " . وقوله تعالى : { وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } تصغير لشأن الدنيا ، وتحقير لأمرها ، وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة كما قال تعالى : { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ الأعلى : 16 - 17 ] ، وقال : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ القصص : 60 ] ، وفي الحديث : " والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه " وقال قتادة : هي متاع متروكة أوشكت - والله الذي لا إله إلا هو - أن تضمحل عن أهلها ، فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم ولا قوة إلا بالله . وقوله تعالى : { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } ، كقوله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ } [ البقرة : 155 ] إلى آخر الآيتين ، أي لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله ، ويبتلى المؤمن على قدر دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً } ، يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر ، مسلياً لهم عما ينالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين ، وآمراً لهم بالصفح والصبر والعفو حتى يفرج الله ، فقال تعالى : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } ، قال ابن أبي حاتم ، عن أسامة بن زيد : كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ، ويصبرون على الأذى ، قال تعالى : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً } ، قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم . وعن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية ، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود ( سعد بن عبادة ) ببنّي الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر ، حتى مر على مجلس فيه ( عبد الله بن أبي ابن سلول ) وذلك قبل أن يسلم ابن أبي ، وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان ، وأهل الكتاب اليهود والمسلمين ، وفي المجلس عبد الله بن رواحة ، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمّر عبد الله بن أُبي أنفه بردائه وقال : لا تغبروا علينا ، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف ، فنزل ودعاهم إلى الله عزّ وجلّ وقرأ عليهم القرآن ، فقال عبد الله بن أُبي : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا ، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه ، فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه : بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك ، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون ، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على ( سعد بن عبادة ) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب " ؟ يريد عبد الله بن أُبي ، قال كذا وكذا ، فقال سعد : يا رسول الله اعف عنه واصفح ، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاءك الله بالحق الذي نزل عليك ، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة ، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك ، فذلك الذي فعل به ما رأيت ، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى . قال الله تعالى : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً } الآية ، وقال تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } [ البقرة : 109 ] الآية . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله له فيهم ، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً فقتل الله به صناديد كفار قريش ، قال عبد الله بن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان : هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، فبايعوا وأسلموا ، فكل من قام بحق أو أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر فلا بد أن يؤذى فما له دواء إلا الصبر في الله ، والاستعانة بالله ، والرجوع إلى الله .