Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-20)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
شهد تعالى وكفى به شهيداً وهو أصدق الشاهدين وأعدلهم وأصدق القائلين { أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي المنفرد بالإلٰهية لجميع الخلائق ، وأن الجميع عبيده وخلقه وفقراء إليه ، وهو الغني عما سواه كما قال تعالى : { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ } [ النساء : 166 ] الآية ، ثم قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } ، وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام . { قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } منصوب على الحال وهو في جميع الأحوال كذلك . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } تأكيد لما سبق ، { ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } العزيز الذي لا يرام جنابه عظمة وكبرياء { ٱلْحَكِيمُ } في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره . عن الزبير بن العوام قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ، ثم قال : وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب . وعن غالب القطان : قال : أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريباً من الأعمش ، فلما كانت ليلة أردت أن أنحدر ، قام فتهجد من الليل فمر بهذه الآية : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } . ثم قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } قالها مراراً . قلت : لقد سمع فيها شيئاً ، فغدوت إليه فودعته ثم قلت : يا أبا محمد إني سمعتك تردد هذه الآية ، قال : أوما بلغك ما فيها ؟ قلت : أنا عندك منذ شهر لم تحدثني ! قال : والله لا أحدثك بها إلى سنة ؛ فأقمت سنة فكنت على بابه ، فلما مضت السنة ، قلت : يا أبا محمد قد مضت السنة . قال : حدثني أبو وائل عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بصاحبها يوم القيامة ، فيقول الله عزّ وجلّ : عبدي عهد إليّ ، وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة " . وقوله تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام ، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين ، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لقي الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته فليس بمتقبل كما قال تعالى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [ آل عمران : 85 ] الآية ، وقال في هذه الآية مخبراً بانحصار الدين المتقبل منه عنده في الإسلام : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } ثم أخبر تعالى بأن الذين أوتوا الكتاب الأول إنما اختلفوا بعدما قامت عليهم الحجة بإرسال الرسل إليهم ، وإنزال الكتب عليهم ، فقال : { وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي بغي بعضهم على بعض ، فاختلفوا في الحق بتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم ، فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته في جميع أقواله وأفعاله وإن كانت حقاً ، ثم قال تعالى : { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أي من جحد ما أنزل الله في كتابه { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي فإن الله سيجازيه على ذلك ويحاسبه على تكذيبه ويعاقبه على مخالفته كتابه . ثم قال تعالى : { فَإنْ حَآجُّوكَ } أي جادلوك في التوحيد ، { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } أي فقل أخلصت عبادتي لله وحده لا شريك له ، ولا ندَّ له ، ولا ولد له ولا صاحبة له . { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } أي على ديني ، يقول كمقالتي كما قال تعالى : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } [ يوسف : 108 ] الآية ، ثم قال تعالى آمراً لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى طريقته ودينه والدخول في شرعه وما بعثه الله به إلى الكتابيين من المليين والأميين من المشركين ، فقال تعالى : { وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ } أي والله عليه حسابهم وإليه مرجعهم ومآبهم ، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة . ولهذا قال تعالى : { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } أي هو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة وهو الذي { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] وما ذلك إلا لحكمته ورحمته . وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته صلوات الله وسلامه عليه إلى جميع الخلق كما هو معلوم من دينه ضرورة ، وكما دل عليه الكتاب والسنَّة في غير ما آية وحديث فمن ذلك قوله تعالى : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [ الأعراف : 158 ] ، وقال تعالى : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] ، وفي الصحيحين وغيرهما مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة أنه صلى الله عليه وسلم بعث كتبه يدعو إلى الله ملوك الآفاق وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم ، كتابيهم وأميهم امتثالاً لأمر الله له بذلك ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " وقال صلى الله عليه وسلم : " بعثت إلى الأحمر والأسود " ، وقال : " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " . وروى الإمام أحمد ، عن أنس رضي الله عنه : " أن غلاماً يهودياً كان يضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه ويناوله نعليه ، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا فلان قل لا إله إلا الله " ، فنظر إلى أبيه فسكت أبوه . فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى أبيه ، فقال أبوه : أطع أبا القاسم ، فقال الغلام : أشهد أن لا إلٰه إلا الله وأنك رسول الله ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الحمد لله الذي أخرجه بي من النار " " .