Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 48-51)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام : إن الله يعلِّمه الكتاب والحكمة ، الظاهر أن المراد بالكتاب هٰهنا الكتابة ، والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة ، والتوراة والإنجيل . فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران ، والإنجيل الذي أنزل على عيسى بن مريم عليهما السلام ؛ وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا . وقوله : { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } قائلاً لهم : { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } وكذلك كان يفعل : يصور من الطين شكل طير ، ثم ينفخ فيه فيطير عياناً بإذن الله عزّ وجلّ الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله ، { وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ } ، قيل : الأعشى ، وقيل : الأعمش ، وقيل : هو الذي يولد أعمى ، وهو أشبه لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي { وٱلأَبْرَصَ } معروف ، { وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . قال كثير من العلماء : بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه ، فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة ، فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحَّار ، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار ، انقادوا للإسلام وصاروا من عباد الله الأبرار ، وأما عيسى عليه السلام فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة ، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه ألا أن يكون مؤيداً من الذي شرَّع الشريعة ، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد ، أو على مداواة الأكمه والأبرص ، وبعثِ من هو في قبره رهينٌ إلى يوم التناد ؟ وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاويد الشعراء ، فأتاهم بكتاب من الله عزّ وجلّ ، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله ، أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبداً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ، وما ذاك إلا أن كلام الرب عزّ وجلّ لا يشبه كلام الخلق أبداً . وقوله تعالى : { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } أي أخبركم بما أكل أحدكم الآن ، وما هو مدخر له في بيته لغد ، { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي في ذلك كله ، { لآيَةً لَّكُمْ } أي على صدقي فيما جئتكم به ، { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } أي مقرراً لها ومثبتاً ، { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين ، ومن العلماء من قال : لم ينسخ منها شيئاً ، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه ، كما قال في الآية الأخرى : { وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } [ الزخرف : 63 ] والله أعلم . ثم قال : { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } أي بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم ، { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } أي أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والاستكانة إليه { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } .