Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 52-54)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ } أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال ، قال : { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } ؟ قال مجاهد : أي من يتبعني إلى الله ، وقال سفيان الثوري : أي من أنصاري مع الله ، وقول مجاهد أقرب ، والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر : " من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي ، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي " حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه ، وهاجر إليهم فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر ، رضي الله عنهم وأرضاهم . وهكذا عيسى ابن مريم عليه السلام انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه ، واتبعوا النور الذي أنزل معه ؛ ولهذا قال الله تعالى مخبراً عنهم : { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } ، الحواريون قيل : كانوا قصّارين ، وقيل : سموا بذلك لبياض ثيابهم ، وقيل : صيادين ، والصحيح أن الحواري : الناصر كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب فانتدب الزبير ، ثم ندبهم فانتدب الزبير رضي الله عنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لكل نبي حواريّ ، وحواريّ الزبير " . عن ابن عباس في قوله تعالى : { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } قال : مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا إسناد جيد ، ثم قال تعالى مخبراً عن ملأ بني إسرائيل ، فيما هموا به من الفتك بعيسى عليه السلام ، وإرادته بالسوء والصلب ، حين تمالؤا عليه ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان - وكان كافراً - أن هنا رجلاً يضل الناس ، ويصدهم عن طاعة الملك ، ويفسد الرعايا ، ويفرق بين الأب وابنه ، إلى غير ذلك ، مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب ، وأنه ولد زنية ، حتى استثاروا غضب الملك بعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به ، فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به تجاه الله تعالى من بينهم ، ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء ، وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل ، فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل { عِيسَىٰ } فأخذوه وأهانوه وصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك ، وكان هذا من مكر الله بهم ، فإنه نجّى نبيه ورفعه من بين أظهرهم ، وتركهم في ضلالهم يعمهون ، يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم ، وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعناداً للحق ملازماً لهم ، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد ، ولهذا قال تعالى : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } .