Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 16-19)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه وصايا نافعة حكاها الله سبحانه عن ( لقمان الحكيم ) ليمتثلها الناس ويقتدوا بها ، فقال : { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ } أي إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل ، وكانت مخفية في السماوات أو في الأرض { يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ } أي أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ، وجازى عليها إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، كما قال تعالى : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } [ الأنبياء : 47 ] الآية ، ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء ، أو ذاهبة في أرجاء السماوات والأرض ، فإن الله يأتي بها لأنه لا تخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض . ولهذا قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي لطيف العلم فلا تخفى عليه الأشياء ، وإن دقّت ولطفت وتضاءلت ، { خَبِيرٌ } بدبيب النمل في الليل البهيم ، وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } أنها صخرة تحت الأرضين السبع ، والظاهر والله أعلم أن المراد أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة فإن الله سيبديها ويظهرها بلطيف علمه ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة . لخرج عمله للناس كائناً ما كان " ، ثم قال : { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } أي بحدودها وفروضها وأوقاتها ، { وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي بحسب طاقتك وجهدك ، { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ } لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر ، وقوله : { إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور . وقوله تعالى : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } يقول : لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك ، احتقاراً منك لهم واستكباراً عليهم ، ولكن أَلِنْ جانبك وابسط وجهك إليهم ، كما جاء في الحديث : " ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط " ، قال ابن عباس يقول : لا تتكبر فتحتقر عباد الله وعرض عنهم بوجهك إذا كلموك ، وقال زيد بن أسلم { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } : لا تتكلم وأنت معرض ، وقال إبراهيم النخعي : يعني بذلك التشدق في الكلام ، والصواب القول الأول ، قال الشاعر : @ وكنا إذا الجبار صعَّر خده أقمنا له من ميله فتقوما @@ وقوله تعالى : { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } أي خيلاء متكبراً جباراً عنيداً ، لا تفعل ذلك يبغضك الله ، ولهذا قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي مختال معجب في نفسه { فَخُورٍ } أي على غيره ، وقال تعالى : { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } [ الإسراء : 37 ] . عن ثابت بن قيس بن شماس قال : ذكر الكبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدد فيه فقال : " " إن الله لا يحب كل مختال فخور " فقال رجل من القوم : والله يا رسول الله إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها ويعجبني شراك نعلي وعلاَّقة سوطي ، فقال : ليس ذلك الكبر ، إنما الكبر أن تسفه الحق ، وتغمط الناس " ، وقوله : { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي امش مقتصداً مشياً ليس بالبطيء المتثبط ، ولا بالسريع المفرط بل عدلاً وسطاً بين بين ، وقوله : { وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ } أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه ، ولهذا قال : { إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } قال مجاهد : إن أقبح الأصوات لصوت الحمير ، أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه ، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى ، وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه " ، وروى النسائي عند تفسير هذه الآية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله ، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنها رأت شيطاناً " فهذه وصايا نافعة جداً ، وهي من قصص القرآن العظيم ، عن لقمان الحكيم ، وقد روي عنه من الحكم والمواعظ أشياء كثرة .