Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 23-24)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر عز وجل عن المنافقين أنهم نقضوا العهد ، وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق ، و { صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } قال بعضهم : أجله ، وقال البخاري : عهده ، وهو يرجع إلى الأول { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } أي وما غيروا عهد الله ولا نقضوه ولا بدلوه . روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نرى هذه الآيات نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } الآية ، وروى الإمام أحمد عن ثابت قال : " قال أنس عمي ( أنس بن النضر ) رضي الله عنه ، لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فشق عليه ، وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه ، لئن أراني الله تعالى مشهداً فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله عزَّ وجلَّ ما أصنع ، قال : فهاب أن يقول غيرها ، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ، فاستقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه ، فقال له أنس رضي الله عنه : يا أبا عمرو أين ، واهاً لريح الجنة إني أجده دون أحد ، قال : فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه ، قال : فوجد في جسده بضع وثمانون بين ضربة وطعنة ورمية ، فقالت أخته عمتي الربيع ابنة النضر : فما عرفت أخي إلاّ ببنانه ، قال : فنزلت هذه الآية { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } قال : فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه رضي الله عنهم " وعن طلحة رضي الله عنه قال : " لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أُحد صعد المنبر ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، وعزّى المسلمين بما أصابهم ، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذخر ، ثم قرأ هذه الآية : { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } الآية كلها ، فقام إليه رجل من المسلمين فقال : يا رسول الله من هؤلاء ؟ فأقبلتُ وعليَّ ثوبان أخضران حضرميان فقال : أيها السائل هذا منهم " . قال مجاهد في قوله تعالى : { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } يعني عهده { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } يوماً فيه القتال فيصدق في اللقاء ، وقال الحسن : { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } يعني موته على الصدق والوفاء ، ومنهم من ينتظر الموت على مثل ذلك ، ومنهم من لم يبدلا تبديلاً ، وقال بعضهم : نحبه نذره ، وقوله تعالى : { وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } أي وما غيروا عهدهم وبدلوا الوفاء بالغدر ، بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه وما نقضوه كفعل المنافقين الذين { عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } [ الأحزاب : 15 ] ، وقوله تعالى : { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } أي إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال ، ليميز الخبيث من الطيب ، فيظهر أمر هذا بالفعل وأمر هذا بالفعل ، مع أنه تعالى يعلم الشيء قبل كونه ، ولكن لا يعذب الخلق بعلمه فيهم . حتى يعملوا بما يعلمه منهم كما قال تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } [ محمد : 31 ] ، فهذا علم بالشيء بعد كونه وإن كان العلم السابق حاصلاً به قبل وجوده ، وكذا قال الله تعالى : { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } [ آل عمران : 179 ] ، ولهذا قال تعالى هٰهنا : { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } أي بصبرهم على ما عاهدوا الله عليه ، وقيامهم به ومحافظتهم عليه { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ } وهم الناقضون لعهد الله المخالفون لأوامره ، فاستحقوا بذلك عقابه وعذابه ، ولما كانت رحمته ورأفته تبارك وتعالى بخلقه هي الغالبة لغضبه قال : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } .