Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 41-44)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بكثرة الذكر لربهم تبارك وتعالى ، المنعم عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن ، لما لهم في ذلك من جزيل الثواب ، وجميل المآب ، روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم " ؟ قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " ذكر الله عزَّ وجلَّ " " . وعن عبد الله بن بشر قال : " جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدهما : يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " من طال عمره وحسن عمله " ، وقال الآخر : يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فمرني بأمر أتشبث به ، قال صلى الله عليه وسلم : " لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى " " وفي الحديث : " أكثروا ذكر الله تعالى حتى يقولوا مجنون " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من قوم جلسوا مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة " ، وقال ابن عباس في قوله تعالى : { ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة ، إلا جعل لها حداً معلوماً ، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر ، فإن الله تعالى لم يجعل له حداً ينتهي إليه ، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على تركه فقال : { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } [ النساء : 103 ] بالليل والنهار ، في البر والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال . وقال عزَّ وجلَّ : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته ، والأحاديث والآيات والآثار في الحث على ذكر الله تعالى كثيرة جداً . وقوله تعالى : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي عند الصباح والمساء ، كقوله عزَّ وجلَّ : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ الروم : 17 ] ، وقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ } هذا تهييج إلى الذكر ، أي أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم ، كقوله عزَّ وجلَّ : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } [ البقرة : 152 ] ، وقال النبي صلى الله عليه سلم : " يقول الله تعالى من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " والصلاة من الله تعالى : ثناؤه على العبد عند الملائكة ، حكاه البخاري عن أبي العالية ، وقال غيره : الصلاة من الله عزَّ وجلَّ : الرحمة ، وأما الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار ، كقوله تبارك وتعالى : { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [ غافر : 7 ] ، وقوله تعالى : { لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } أي بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم ودعاء ملائكته لكم ، يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى واليقين ، { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } أي في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فإنه هداهم إلى الحق وبصّرهم الطريق ، الذي ضل عنه الدعاة إلى الكفر أو البدعة ، وأما رحمته بهم في الآخرة فآمنهم من الفزع الأكبر ، وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة والنجاة من النار ، وما ذاك إلا لمحبته لهم ورأفته بهم . روى الإمام البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي ، قد أخذت صبياً لها ، فألصقته إلى صدرها وأرضعته ، فقال رسول الله صلى لله عليه وسلم : " " أترون هذه تلقي ولدها في النار وهي تقدر على ذلك " ؟ قالوا : لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فوالله ، للهُ أرحم بعباده من هذه بولدها " " ، وقوله تعالى : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } أي تحيتهم من الله تعالى يوم يلقونه سلام ، أي يوم يسلم عليهم ، كما قال عزَّ وجلَّ : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] وقال قتادة : المراد أنهم يحيي بعضهم بعضاً بالسلام يوم يلقون الله في الدار الآخرة ، واختاره ابن جرير . ( قلت ) وقد يستدل بقوله تعالى : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] ، وقوله تعالى : { وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً } يعني الجنة وما فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح والملاذ والمناظر مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .