Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 4-5)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى موطئاً قبل المقصود المعنوي ، أمراً معروفاً حسياً ، وهو أنه كما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه ولا تصير زوجته التي يظاهر منها بقوله أنت عليَّ كظهر أمي أماً له ، كذلك لا يصير الدعيُّ ولداً للرجل إذا تبناه فدعاه ابناً له ، فقال : { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } ، كقوله عزَّ وجلَّ : { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ } [ المجادلة : 2 ] الآية ، وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } هذا هو المقصود بالنفي ، فإنها نزلت في شأن ( زيد بن حارثة ) رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه قبل النبوة ، فكان يقال له ( زيد بن محمد ) فأراد الله تعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذا النسبة بقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } ، كما قال تعالى : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ } [ الأحزاب : 40 ] ، وقال هٰهنا : { ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } يعني تبنّيكم لهم قول لا يقتضي أن يكون ابناً حقيقياً فإنه مخلوق من صلب رجل آخر ، فما يمكن أن يكون له أبوان ، كما لا يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان ، { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ } أي العدل ، { وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } أي الصراط المستقيم . وقد ذكر غير واحد أن هذه الآية نزلت في رجل من قريش كان يقال له ذو القلبين ، وأنه كان يزعم أن له قلبين كل منهما بعقل وافر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليه . وقال عبد الرزاق عن الزهري في قوله : { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } ، قال : بلغنا أن ذلك كان في ( زيد بن حارثة ) ضرب له مثل ، يقول ليس ابن رجل آخر ابنك ، وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد : أنها نزلت في زيد بن حارثة رضي الله عنه ، وهذا يوافق ما قدمناه من التفسير والله سبحانه وتعالى أعلم ، وقوله عزَّ وجلَّ : { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام ، من جواز ادعاء الأبناء الأجانب ، وهم الأدعياء ، فأمر تبارك وتعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة ، وأن هذا هو العدل والقسط والبر . روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال : إن زيد بن حارثة رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلاّ زيد بن محمد حتى نزل القرآن : { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } . وقد كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه في الخلوة بالمحارم وغير ذلك ، ولهذا لما نسخ هذا الحكم أباح تبارك وتعالى زوجة الدعي ، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش مطلقة زيد بن حارثة رضي الله عنه ، وقال عزَّ وجلَّ : { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } [ الأحزاب : 37 ] ، وقال تبارك وتعالى في آية التحريم : { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } [ النساء : 23 ] احترازاً عن زوجة الدعي فإنه ليس من الصلب ، فأما دعوة الغير ابناً على سبيل التكريم والتحبيب ، فليس مما نهي عنه في هذه الآية ، بدليل ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال : " قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم - أغيلمة بني عبد المطلب - على جمرات لنا من جمع ، فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول : أبينيّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا بني " ، وقوله عزَّ وجلَّ : { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } أمر تعالى برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عرفوا ، فإن لم يعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم أي عوضاً عما فاتهم من النسب ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : " أنت مني وأنا منك " وقال لجعفر رضي الله عنه : " أشبهتَ خَلْقي وخُلُقي " ، وقال لزيد رضي الله عنه : " أنت أخونا ومولانا " كما قال تعالى : { فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } . وقد جاء في الحديث : " ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلاّ كفر " ؛ وهذا تشديد وتهديد ، ووعيد أكيد ، في التبري من النسب المعلوم ، ولهذا قال تعالى : { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } ، ثم قال تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي إذا نسبتم بعضهم إلى غير أبيه في الحقيقة خطأ ، بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع ، فإن الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ ، ورفع إثمه كما أرشد إليه في قوله تبارك وتعالى : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } [ البقرة : 286 ] ، وفي الحديث : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر " ، وفي الحديث الآخر : " إن الله تعالى رفع عن أمتي الخطأ والنسيان والأمر الذي يكرهون عليه " ، وقال تبارك وتعالى هٰهنا : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي إنما الإثم على من تعمد الباطل ، كما قال عزَّ وجلَّ : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } [ البقرة : 225 ] الآية ، وروى الإمام أحمد عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل معه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، ثم قال : قد كنا نقرأ : [ ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ] ، وفي الحديث الآخر : " ثلاث في الناس كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت ، والاستسقاء بالنجوم " .