Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 9-10)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن نعمته وفضله وإحسانه ، إلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم وهزمه إياهم ، عام تألبوا عليهم وتحزبوا ، وذلك عام الخندق ، وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفراً من أشراف يهود بني النضير ، الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى خيبر ، منهم ( سلام بن أبي الحقيق ) و ( سلام بن مشكم ) و ( كنانة بن الربيع ) خرجوا إلى مكة ، فاجتمعوا بأشراف قريش ، وألبوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم ، ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة ، فأجابوهم إلى ذلك ، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضاً ، وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها وقائدهم ( أبو سفيان ) صخر بن حرب ، وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر ، والجميع قريب من عشرة آلاف ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة مما يلي الشرق ، وذلك بإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فعمل المسلمون فيه واجتهدوا ونقل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب وحفر ، وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريباً من أحد ، ونزلت طائفة منهم في أعالي أرض المدينة ، كما قال الله تعالى : { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين وهم نحو من ثلاثة آلاف ، فأسندوا ظهورهم إلى سلع ووجوههم نحو العدو ، والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم ، يحجب الخيالة والرجالة أن تصل إليهم وجعل النساء والذراري في آطام المدينة ، وكانت بنو قريظة وهم طائفة من اليهود لهم حصن شرقي المدينة ، ولهم عهد من النبي صلى الله عليه وسلم وذمة ، وهم قريب من ثمانمائة مقاتل ، فذهب إليهم ( حيي بن أخطب ) فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد ، ومالأوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعظم الخطب واشتد الأمر ، وضاق الحال ، كما قال الله تبارك وتعالى : { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } [ الأحزاب : 11 ] ومكثوا محاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قريباً من شهر ، إلاّ أنهم لا يصلون إليهم ، ولم يقع بينهم قتال ، ثم أرسل الله عزَّ وجلَّ على الأحزاب ريحاً شديدة الهبوب قوية حتى لم يبقى لهم خيمة ولا شيء ، ولا توقد لهم نار ولا يقر لهم قرار ، حتى ارتحلوا خائبين خاسرين ، كما قال الله عزَّ وجلَّ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً } قال مجاهد : وهي الصَّبا : ويؤيده الحديث الشريف : " نصرت بالصَّبا وأهلكت عاد بالدبور " . وقوله تعالى : { وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } هم الملائكة زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف ، فكان رئيس كل قبيلة يقول : يا بني فلان إليّ فيجتمعون إليه فيقول : النجاء لما ألقى الله عزَّ وجلَّ في قلوبهم من الرعب ، روى مسلم في " صحيحه " عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنا عند حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال له رجل : " لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت ، فقال له حذيفة : أنت كنت تفعل ذلك ؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا رجل يأتي بخبر القوم يكون معي يوم القيامة " فلم يجبه منّا أحد ، ثم الثانية مثله ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : " يا حذيفة قم فأتنا بخبر من القوم " فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم فقال : " ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم عليّ " ، قال فمضيت كأنما أمشي في حمّام حتى أتيتهم ، فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار ، فوضعت سهماً في كبد قوسي وأردت أن أرميه ، ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تذعرهم عليّ ولو رميته لأصبته ، قال : فرجعت كأنما أمشي في حمّام فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائماً حتى الصبح ، فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم يا نومان " . وأخرج الحاكم والبيهقي في " الدلائل " عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال : " ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال جلساؤه : أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا ، فقال حذيفة : لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعوداً وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا ، وقريظة لليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا ، وما أتت علينا قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا أصبعه ، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون : أن بيوتنا عورة وما هي بعورة ، فما يستأذنه أحد منهم إلاّ أذن له ، ويأذن لهم فيتسللون ونحن ثلثمائة أو نحو ذلك إذا استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً رجلاً ، حتى أتى علي وما عليَّ جنة من العدو ولا من البرد إلاّ مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي ، قال فأتاني صلى الله عليه وسلم ، وأنا جاث على ركتبي فقال : : " من هذا ؟ " فقلت : حذيفة ، قال : " حذيفة ؟ " فتقاصرت الأرض فقلت : بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم فقمت ، فقال : " إنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم " قال : وأنا من أشد الناس فزعاً وأشدهم قراً قال : فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته " ، قال : فوالله ما خلق الله تعالى فزعاً ولا قراً في جوفي إلاّ خرج من جوفي ، فما أجد فيه شيئاً ، قال : فلما وليت قال صلى الله عليه وسلم : " يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئاً حتى تأتيني " قال : فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد ، فإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ويقول : الرحيل الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك ، فانتزعت سهماً من كنانتي أبيض الريش ، فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار ، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحدثن فيهم شيئاً حتى تأتيني " ، قال : فأمسكت ورددت سهمي إلى كنانتي ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت المعسكر ، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون : يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم ، وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً ، فوالله إني لأسم صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم بها ، ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انتصفت في الطريق أو نحواً من ذلك ، إذا أنا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتمين فقالوا : أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلي فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر وجعلت أقرقف ، فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي ، فدنوت منه ، فأسبل علي شملة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى ، فأخبرته خبر القوم وأخبرته أني تركتهم يرتحلون " ، وأنزل الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } ولأبي داود : " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " ؛ وقوله تعالى : { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ } أي الأحزاب { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } تقدم عن حذيفة رضي الله عنه أنهم بنو قريظة ، { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } أي من شدة الخوف والفزع ، { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } ظن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدائرة على المؤمنين ، وقال محمد بن إسحاق : ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق ، حتى قال ( معتب بن قشير ) : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط ، وقال الحسن في قوله عزَّ وجلَّ : { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } ظنون مختلفة ظن المنافقون أن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يستأصلون ، وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال ، " قلنا يوم الخندق : يا رسول الله هل من شيء نقول ، فقد بلغت القلوب الحناجر ؟ قال صلى الله عليه وسلم : نعم ، قولوا : اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا " قال : فضرب وجوه أعدائه بالريح ، فهزمهم بالريح .