Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 15-17)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها ، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشهم ، واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم ، وبعث الله تبارك وتعالى إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده وعبادته ، فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى ، ثم أعرضوا عما أمروا به ، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد أيدي سبأ شذر مذر ، كما سيأتي قريباً ، روى الإمام أحمد عن عبد الرحٰمن بن وعلة قال : سمعت ابن عباس يقول : " إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو أرجل أم امرأة أم أرض ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " بل هو رجل ولد له عشرة ، فسكن اليمن منهم ستة ، والشام منهم أربعة ، فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير ، وأما الشامية فلخم وجذام وعاملة وغسان " " ، قال علماء النسب : اسم سبأ ( عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان ) وإنما سمي سبأ ، لأنه أول من سبأ في العرب ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " كان رجلاً من العرب " يعني من سلالة الخليل عليه السلام ، وفي " صحيح البخاري " " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنفر من أسلم ينتضلون فقال : " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً " " ، فأسلم قبيلة من ( الأنصار ) والأنصار أوسها وخزرجها من غسان من عرب اليمن من سبأ ، نزلوا بيثرب لما تفرقت سبأ في البلاد حين بعث الله عزَّ وجلَّ عليهم سيل العرم ، ونزلت طائفة منهم بالشام ، وإنما قيل لهم غسان بماء نزلوا عليه قريب من المشلل ، كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه : @ إما سألت فإنا معشر نجب الأزد نسبتنا والماء غسان @@ ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " ولد له عشرة " أي كان من نسله هؤلاء العشرة الذين يرجع إليهم أصول القبائل من عرب اليمن ، لا أنهم ولدوا من صلبه ، بل منهم من بينه وبينه الأبوان والثلاثة والأقل والأكثر كما هو مقرر مبين في مواضعه من كتب النسب ، ومعنى قوله تعالى صلى الله عليه وسلم : " فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة " أي بعدما أرسل الله تعالى عليهم سيل العرم ، منهم من أقام ببلادهم ، ومنهم من نزح عنها إلى غيرها ، وكان من أمر السد أنه كان الماء يأتيهم من بين جبلين ، وتجتمع إليه أيضاً سيول أمطارهم وأوديتهم ، فعمد ملوكهم الأقادم ، فبنوا بينهما سداً عظيماً محكماً ، حتى ارتفع الماء ، وحكم على حافات ذينك الجبلين ، فغرسوا الأشجار ، واستغلوا الثمار في غاية ما يكون من الكثرة والحسن ، كما ذكر غير واحد من السلف ، أن المرأة كانت تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتل أو زنبيل وهو الذي تخترف فيه الثمار فيتساقط من الأشجار في ذلك ما يملؤه ، من غير أن يحتاج إلى كلفة ولا قطاف ، لكثرته ونضجه واستوائه ، وكان هذا السد بمأرب . ويذكر أنه لم يكن ببلدهم شيء من الذباب ولا البعوض ولا البراغيث ولا شيء من الهوام ، وذلك لاعتدال الهواء وصحة المزاج ، وعناية الله بهم ليوحدوه وبعبدوه ، كما قال تبارك وتعالى : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ } ثم فسرها بقوله عزَّ وجلَّ { جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } أي من ناحيتي الجبلين والبلدة بين ذلك ، { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } أي غفور لكم إن استمررتم على التوحيد ، وقوله تعالى : { فَأَعْرَضُواْ } أي عن توحيد الله وعبادته وشكره على ما أنعم به عليهم ، وعدلوا إلى عبادة الشمس من دون الله كما قال الهدهد لسليمان عليه الصلاة والسلام : { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } [ النمل : 22 - 24 ] قال السدي : أرسل الله عزَّ وجلَّ إليهم اثني عشر ألف نبي والله أعلم . وقوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ } المراد بالعرم المياه ، وقيل : الوادي ، وقيل : الماء الغزير ، وذكر غير واحد منهم ابن عباس وقتادة والضحاك : أن الله عزَّ وجلَّ لما أراد عقوبتهم بإرسال العرم عليهم بعث على السد دابة من الأرض ، يقال لها الجرذ ، نقبته ، وانساب الماء في أسفل الوادي ، وخرب ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك ، ونضب الماء عن الأشجار التي في الجبلين عن يمين وشمال ، فيبست وتحطمت ، وتبدلت تلك الأشجار المثمرة الأنيقة النضرة ، كما قال الله تبارك وتعالى : { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ } قال ابن عباس ومجاهد : هو الأراك وأكلة البربر { وَأَثْلٍ } هو الطرفاء ، وقال غيره : هو شجر يشبه الطرفاء ، وقيل : هو السمر والله أعلم ، وقوله : { وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } لما كان أجود هذه الأشجار المبدل بها هو السدر ، قال : { وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } فهذا الذي صار أمر تينك الجنتين إليه ، بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة والظلال العميقة والأنهار الجارية ، تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل ، وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل ، ولهذا قال تعالى : { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } أي عاقبناهم بكفرهم ، قال مجاهد : ولا يعاقب إلا الكفور . وقال الحسن البصري : صدق الله العظيم لا يعاقب بمثل فعله إلا الكفور ، وقال ابن أبي حاتم عن ابن خيرة وكان من أصحاب علي رضي الله عنه قال : جزاء المعصية الوهن في العبادة ، والضيق في المعيشة ، والتعسر في اللذة ، قيل : وما التعسر في اللذة ؟ قال : لا يصادف لذة حلال إلا جاءه من ينغصه إياها .