Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 18-19)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يذكر تعالى ما كانوا فيه من النعمه والغبطة والعيش الهني الرغيد ، والبلاد الرخية ، والأماكن الآمنة والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض ، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها ، بحيث أن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء ، بل حيث نزل وجد ماء وثمراً ، ويقيل في قرية ويبيت في أخرى بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم ، ولهذا قال تعالى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } قال وهب بن منبه : هي قرى بصنعاء ، وقال مجاهد والحسن : هي قرى الشام ، يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة ، وقال ابن عباس : القرى التي باركنا فيها بيت المقدس ، وعنه : هي قرى عربية بين المدينة والشام { قُرًى ظَاهِرَةً } أي بينة واضحة يعرفها المسافرون ، يقيلون في واحدة ويبيتون في أخرى ، ولهذا قال تعالى : { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ } أي جعلنا بحسب ما يحتاج المسافرون إليه ، { سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } أي الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلاً ونهاراً ، { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } وذلك أنهم بطروا هذه النعمة ، وأحبوا مفاوز ومهامه ، يحتاجون في قطعها إلى الزاد والرواحل والسير في المخاوف ، كلما طلب بنو اسرائيل من موسى أن يخرج الله لهم مما تنبت الأرض { مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } [ البقرة : 61 ] مع أنهم كانوا في عيش رغيد ، في مَن وسلوى وما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس ومشارب وملابس مرتفعة ، قال تعالى : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] ، وقال تعالى في حق هؤلاء { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } أي بكفرهم ، { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } أي جعلناهم حديثاً للناس ، وسمراً يتحدثون به من خبرهم ، وكيف مكر الله بهم وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء تفرقوا في البلاد هٰهنا وهٰهنا ، ولهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا : تفرقوا أيدي سبأ ، وأيادي سبأ ، وتفرقوا شذر مذر ، قال الشعبي : أما غسان فلحقوا بعمان فمزقهم الله كل ممزق بالشام ، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب ، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة ، وأما الأزد فلحقوا بعمان فمزقهم الله كل ممزق . وقوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي إن في هذا الذي حل بهؤلاء من النقمة والعذاب ، وتبديل النعمة وتحويل العافية عقوبة على ما ارتكبوا من الكفر والآثام ، لعبرة لكل عبد صبار على المصائب ، شكور على النعم ، روى الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر ، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر ، يؤجر المؤمن في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى امرأته " ، وهذا الحديث له شاهد في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " عجباً للمؤمن لا يقضي الله تعالى له قضاء إلا كان خيراً له ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " ، قال قتادة : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } كان مطرف يقول : نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر .