Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 9-11)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كثيراً ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها ، ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك ، فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها ، فإذا أرسل إليها السحاب تحمل الماء وأنزله عليها ، { ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [ الحج : 5 ] ، كذلك الأجساد إذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها أنزل من تحت العرش مطراً يعم الأرض جميعاً ، ونبتت الأجساد في قبورها كما تنبت الحبة في الأرض ، ولهذا جاء في الصحيح : " كل ابن آدم يبلى إلا عَجْبَ الذنب ، منه خلق ومنه يركب " ، ولهذا قال تعالى : { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } . وتقدم في الحج حديث أبي رزين ، قلت : " يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلاً ثم مررت به يهتز خضراً " قلت : بلى ، قال صلى الله عليه وسلم : " فكذلك يحيي الله الموتى " " ، وقوله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } أي من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى فإنه يحصل له مقصوده ، لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة ، وله العزة جميعاً ، كما قال تعالى : { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } [ النساء : 139 ] ، وقال عزَّ وجلَّ : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ المنافقون : 8 ] قال مجاهد : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } بعبادة الأوثان { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } ، وقال قتادة : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } أي فليتعزز بطاعة الله عزَّ وجلَّ ، وقوله تبارك وتعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } يعني الذكر والتلاوة والدعاء ؛ روى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى ، إن العبد المسلم إذا قال : سبحان الله وبحمده والحمد لله ولا إلٰه إلا الله والله أكبر تبارك الله ، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ، ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن ، حتى يجيء بهن وجه الله عزَّ وجلَّ ، ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } . وقال كعب الأحبار : إن لسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إلٰه إلا الله ، والله أكبر ، لدوياً حول العرش كدوي النحل ، يذكرن لصاحبهن ، والعمل الصالح في الخزائن . وقوله تعالى : { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } قال ابن عباس : الكلم الطيب ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله عزَّ وجلَّ ، والعمل الصالح أداء الفريضة ، فمن ذكر الله تعالى في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله عزَّ وجلَّ ، ومن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به ، وكذا قال مجاهد : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب ، وقال إياس بن معاوية : لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام ، وقال الحسن وقتادة : لا يقبل قول إلا بعمل ، وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } قال مجاهد : هم المراؤون بأعمالهم يعني يمكرون بالناس ، يوهمون أنهم في طاعة الله تعالى وهم بغضاء إلى الله عزَّ وجلَّ يراؤون بأعمالهم { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 142 ] ، وقال ابن أسلم : هم المشركون ، والصحيح أنها عامة ، والمشركون داخلون بطريق الأولى ، ولهذا قال تعالى : { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } أي يفسد ويبطل ، ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنُّهَى ، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى رداءها إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي ، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم بل ينكشف لهم عن قريب ، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية ، وقوله تبارك وتعالى : { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } أي ابتدأ خلق أبيكم آدم من تراب ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً } أي ذكراً وأنثى لطفاً منه ورحمة أن جعل لكم أزواجاً من جنسكم لتسكنوا إليها ، وقوله عزَّ وجلَّ : { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } أي هو عالم بذلك لا يخفى عليه من ذلك شيء بل { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] ، وقد تقدم الكلام على قوله تعالى : { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } [ الرعد : 8 ] وقوله عزَّ وجلَّ : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } أي ما يعطى بعض النطف من العمر الطويل يعلمه وهو عنده في الكتاب الأول { وَماَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } الضمير عائد على الجنس ، لأن الطويل العمر في الكتاب وفي علم الله تعالى لا ينقص من عمره ، وإنما عاد الضمير على الجنس . قال ابن جرير : وهذا كقولهم عندي ثوب ونصفه ، أي ونصف ثوب آخر . وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } الآية ، يقول : ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر ، وقد قضيت ذلك له ، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه ، وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر ، والحياة ببالغ العمر ، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له ، فذلك قوله تعالى : { وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } يقول : كل ذلك في كتاب عنده ، وقال زيد بن أسلم { وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } قال : ما لفظت الأرحام من الأولاد من غير تمام وقال عبد الرحٰمن في تفسيرها ، ألا ترى الناس يعيش الإنسان مائة سنة وآخر يموت حين يولد فهذا هذا ، وقال قتادة : والذي ينقص من عمره فالذي يموت قبل ستين سنة . وقال مجاهد { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } أي في بطن أمه يكتب له ذلك لم يخلق الخلق على عمر واحد ، بل لهذا عمر ، ولهذا عمر ، فكل ذلك مكتوب لصاحبه بالغ ما بلغ ، وقال بعضهم : بل معناه { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ } أي ما يكتب من الأجل { وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } وهو ذهابه قليلاً قليلاً الجميع معلوم عند الله تعالى سنة بعد سنة وشهراً بعد شهر ، وجمعة بعد جمعة ، وساعة بعد ساعة الجميع مكتوب عند الله تعالى في كتابه ، نقله ابن جرير عن أبي مالك ، واختار ابن جرير الأول ، ويؤيده عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن الله تعالى لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها ، وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها العبد فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر " ، وقوله عزَّ وجلَّ : { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي سهل عليه يسير لديه ، فإن علمه شامل للجميع لا يخفى عليه شيء منها .