Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 26-29)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن مسعود : إنهم وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصه من دبره وقال الله له : { ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ } فدخلها ، فهو يرزق فيها قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها ، وقال مجاهد : قيل لحبيب النجار : ادخل الجنة ، وذلك أنه قتل فوجبت له ، فلما رأى الثواب { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } قال قتادة : لا تلقى المؤمن إلا ناصحاً لا تلقاه غاشاً ، لما عاين ما عاين من كرامة الله تعالى : { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } تمنى والله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة وما هجم عليه ، وقال ابن عباس : نصح قومه في حياته بقوله : { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ يس : 20 ] ، وبعد مماته في قوله : { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } ، وقال سفيان الثوري عن أبي مجلز : { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } بإيماني بربي وتصديقي المرسلين ، ومقصوده أنهم لو اطلعوا على ما حصل لي من هذا الثواب والجزاء والنعيم المقيم ، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل ، فرحمه الله ورضي الله عنه ، فلقد كان حريصاً على هداية قومه . وقال محمد بن إسحاق ، عن كعب الأحبار أنه ذكر له ( حبيب بن زيد ) الذي كان مسيلمة الكذاب قطعه باليمامة ، حين جعل يسأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يقول له : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ فيقول : نعم ، ثم يقول : أتشهد أني رسول الله ، فيقول : لا أسمع ، فيقول له مسليمة لعنه الله : أتسمع هذا ولا تسمع ذاك ؟ فيقول : نعم ، فجعل يقطعه عضواً عضواً كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات في يديه ، فقال كعب حين قيل له اسمه حبيب ، وكان والله صاحب يس اسمه حبيب . وقوله تبارك وتعالى : { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه ، غضباً منه تبارك وتعالى عليهم ، لأنهم كذبوا رسله وقتلوا وليه ، ويذكر عزّ وجلّ أنه ما أنزل عليهم وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم ، بل الأمر كان أيسر من ذلك ، { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } فأهلك الله تعالى ذلك الملك ، وأهلك أهل أنطاكية فبادوا عن وجه الأرض ، فلم يبق منهم باقية ، وقيل : { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } أي وما كنا ننزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم ، بل نبعث عليهم عذاباً يدمرهم ، وقيل : المعنى في قوله تعالى : { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي من رسالة أُخرى إليهم قال قتادة : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } قال ابن جرير : والأول أصح لأن الرسالة لا تسمى جنداً . قال المفسرون : بعث الله تعالى إليهم جبريل عليه الصلاة والسلام ، فأخذ بعضادتي باب بلدهم ، ثم صاح بهم صيحة واحدة ، فإذا هم خامدون عن آخرهم لم تبق بهم روح تترد في جسد ، وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي ( أنطاكية ) وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلاً من عند المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام كما نص عليه قتادة وغيره ، وفي ذلك نظر من وجوه : أحدها : أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله عزّ وجلّ لا من جهة المسيح عليه السلام كما قال تعالى : { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [ يسۤ : 14 ] ، ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح عليه السلام ، ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [ إبراهيم : 10 ] . الثاني : أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم ، وكانت أول مدينة آمنت بالمسيح ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربع اللاتي فيهن بتاركة ، وهن ( القدس ) لأنها بلد المسيح ، و ( أنطاكية ) لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها ، و ( الاسكندرية ) لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة ، ثم ( رومية ) لأنها مدنية الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأوطده ، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت ، فأهل هذه القرية ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله ، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم ، والله أعلم . الثالث : أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة ، وقد ذكر غير واحد من السلف أن الله تبارك وتعالى بعد إنزاله التوراة ، لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم ، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين ، ذكروه عند قوله تبارك وتعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ } [ القصص : 43 ] فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن قرية أُخْرى غير ( انطاكية ) كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضاً ، أو تكون انطاكية إن كان لفظها محفوظاً في هذه القصة مدينة أُخرى غير هذه المشهورة المعروفة ، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية ولا قبل ذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم .