Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 68-70)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن ابن آدم أنه كلما طال عمره ، ردّ إلى الضعف بعد القوة ، والعجز بعد النشاط ، كما قال تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } [ الروم : 54 ] ، وقال عزّ وجلّ : { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً } [ النحل : 70 ، الحج : 5 ] ، والمراد من هذا والله أعلم الإخبار عن هذه الدار ، بأنها دار زوال وانتقال ، لا دار دوام واستقرار ، ولهذا قال عزّ وجلّ : { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } ؟ أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ، ثم إلى الشيخوخة ، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى ، لا زوال لها ولا انتقال منها ، ولا محيد عنها وهي الدار الآخرة ، وقوله تبارك وتعالى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } يقول عز وجلّ مخبراً عن نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم : أنه ما علمه الشعر { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } أي ما هو في طبعه فلا يحسنه ولا يحبه ولا تقتضيه جبلته ، ولهذا ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحفظ بيتاً على وزن منتظم ، بل إن أنشده زحفه أو لم يتمه ، قال الشعبي : ما ولد عبد المطلب ذكراً ولا أنثى إلا يقول الشعر ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعن الحسن البصري قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت : @ ( كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً ) @@ ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ، كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً قال أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما : أشهد أنك رسول الله ، يقول تعالى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } . وروى الأموي في " مغازيه " أن رسول الله صلى لله عليه وسلم جعل يمشي بين القتلى يوم بدر ، وهو يقول : " نَفَلّق هاما " ، فيقول الصدّيق رضي الله عنه متمماً للبيت : @ … من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما @@ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى لله عليه وسلم إذا استراب الخبر تمثل فيه ببيت طرفة : @ ويأتيك بالأخبار من لم تزود @@ وهو في شعر ( طرفة بن العبد ) في معلقته المشهورة : @ ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً " ويأتيك بالأخبار من لم تزود " @@ وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، ولكن تبعاً لقول أصحابه رضي الله عنهم ، فإنهم كانوا يرتجزون وهم يحفرون فيقولون : @ لا هم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن أولاء قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا @@ ويرفع صلى الله عليه وسلم صوته بقوله : أبينا ، ويمدها ، وقد روى هذا بزحاف في " الصحيحين " أيضاً ، وكذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين وهو راكب البغلة يقدم بها في نحور العدو : @ أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب @@ لكن قالوا : هذا وقع اتفاقاً من غير قصد لوزن شعر ، بلى جرى على اللسان من غير قصد إليه ، وكذلك ما ثبت في " الصحيحين " عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار ، فنكبت اصبعه ، فقال صلى لله عليه وسلم : @ هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت @@ وكل هذا لا ينافي كونه صلى الله عليه وسلم ما علم شعراً وما ينبغي له ، فإن الله تعالى إنما علمه القرآن العظيم : الذي { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] ، وليس هو بشعر كما زعمه طائفة من جهلة كفار قريش ، ولا كهانة ولا سحر يؤثر ، كما تنوعت فيه أقوال الضلال وآراء الجهال ، وقد كانت سجيته صلى الله عليه وسلم تأبى صناعة الشعر طبعاً وشرعاً . قال صلى الله عليه وسلم : " لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلىء شعراً " على أن الشعر فيه ما هو مشروع وهو هجاء المشركين ، الذي كان يتعاطاه شعراء الإسلام ، كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وأمثالهم وأضرابهم رضي الله عنهم أجمعين ، ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب ، كما يوجد في شعر جماعة من الجاهلية ، ومنهم ( أمية بن أبي الصلت ) الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمن شعره وكفر قلبه " ، وقد أنشد بعض الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم مائة بيت يقول صلى الله عليه وسلم عقب كل بيت : " هيه " ، يعني يستطعمه فيزيده من ذلك ، وفي الحديث : " إن من البيان سحراً وإن من الشعر حكماً " ، ولهذا قال تعالى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ما علمه الله الشعر ، { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } أي وما يصلح له { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } أي ما هذا الذي علمناه { إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } أي بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره ، ولهذا قال تعالى : { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً } أي لينذر هذا القرآن المبين كل حي على وجه الأرض ، كقوله : { لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] ، وإنما ينتفع بنذارته من هو حي القلب مستنير البصيرة ، كما قال قتادة : حي القلب ، حي البصر ، وقال الضحاك : يعني عاقلاً ، { وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } أي وهو رحمة للمؤمنين وحجة على الكافرين .