Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 77-80)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال مجاهد وعكرمة : " جاء ( أبي بن خلف ) لعنه الله ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم ، وهو يفته ويذروه في الهواء ، وهو يقول : يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " نعم ، يميتك الله تعالى ثم يبعثك ثم يحشرك إلى النار " " ، ونزلت هذه الآيات من آخر يس : { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ } إلى آخرهن ، وقال ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " إن العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففته بيده ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيحيي الله هذا بعد ما أرى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم : يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم " ، قال : ونزلت الآيات من آخر يسۤ ، وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات قد نزلت في ( أُبي بن خلف ) أو ( العاص بن وائل ) أو فيهما ، فهي عامة في كل من أنكر البعث ، والألف واللام في قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ } للجنس يعم كل منكر للبعث ، { أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } أي أو لم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة ، فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين ، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين ، كما قال عزّ وجلّ : { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [ المرسلات : 20 ] ، وقال تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } [ الإنسان : 2 ] أي من نطفة من أخلاط متفرقة ، فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ كما قال الإمام أحمد في " مسنده " عن بشر بن جحاش قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوماً في كفه فوضع عليها إصبعه ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله تعالى : ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت ، حتى إذا بلغت التراقي قلت : أتصدق وأنى أوان الصدقة ؟ " " ، ولهذا قال تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } ؟ أي استبعد إعادة الله تعالى ذي القدرة العظيمة ، للأجساد والعظام الرميمة ، ونسي نفسه وأن الله تعالى خلقه من العدم إلى الوجود ، فعلم من نفسه ما هو أعظم مما استبعده وأنكره وجحده ، ولهذا قال عزّ وجلّ : { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } أي يعلم العظام في سائر أقطار الأرض وأرجائها ؛ أين ذهبت وأين تفرقت وتمزقت . قال الإمام أحمد ، قال عقبة بن عمرو لحذيفة رضي الله عنهما : " ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : سمعته صلى الله عليه وسلم يقول : " إن رجلاً حضره الموت فلما أيس من الحياة أوصى أهله إذا أنا مت فاجمعوا لي حطباً كثيراً جزلاً ، ثم أوقدوا فيه ناراً ، حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي ، فامتحشت فخذوها فدقوها فذروها في اليم ، ففعلوا ، فجمعه الله تعالى إليه ، ثم قال له : لم فعلت ذلك ؟ قال : من خشيتك ، فغفر الله عزّ وجلّ له " " ، وفي " الصحيحين " " بأنه أمر بنيه أن يحرقوه ، ثم يسحقوه ، ثم يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر في يوم رائح ، أي كثير الهواء ، ففعلوا ذلك ، فأمر الله تعالى البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ، ثم قال له : كن فإذا هو رجل قائم ، فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : مخافتك وأنت أعلم ، فما تلافاه أن غفر له " وقوله تعالى : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } أي الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء ، حتى صار خضراً نضراً ، ذا ثمر وينع ، ثم أعاده إلى أن صار حطباً يابساً توقد به النار ، كذلك هو فعال لما يشاء قادر على ما يريد لا يمنعه شيء ، قال قتادة : يقول : هذا الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادرعلى أن يبعثه ، وقيل : المراد بذلك شجر المرخ والغفار ينبت في أرض الحجاز فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد ، فيأخذ منه عودين أخضرين ، ويقدح أحدهما بالآخر ، فتتولد النار بينهما كالزناد سواء ، وفي المثل : لكل شجر نار واستمجد المرخ والغفار . وقال الحكماء : في كل شجر نار إلا العنَّاب .