Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 62-70)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى : أهذا الذي ذكر من نعيم الجنة ، وما فيها من مآكل ومشارب ومناكح ، وغير ذلك من الملاذ خير ضيافةً وعطاءً { أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } أي التي في جهنم ؟ وقوله عزّ وجلّ : { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } ، قال قتادة : ذكرت شجرة الزقوم ، فافتتن بها أهل الضلالة ، وقالوا : صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة والنار وتأكل الشجر ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } غذيت من النار ومنها خلقت ، وقال مجاهد : { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } . قال أبو جهل لعنه الله : إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه ؟ قلت : ومعنى الآية : إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقوم ، اختباراً تختبر به الناس ، من يصدق منهم ممن يكذب ، كقوله تبارك وتعالى : { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } [ الإسراء : 60 ] وقوله تعالى : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } أي أصل منبتها في قرار النار : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } تبشيع لها وتكريه لذكرها ، وإنما شبّهها برؤوس الشياطين ، وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين ، لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر ، وقوله تعالى : { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } ، ذكر تعالى أنهم يأكلون من هذه الشجرة التي لا أبشع منها ولا أقبح من منظرها ، مع ما هي عليه من سوء الطعم والريح والطبع ، فإنهم ليضطرون إلى الأكل منها ، لأنهم لا يجدون إلا إياها وما هو في معناها ، كما قال تعالى : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ * لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } [ الغاشية : 6 - 7 ] ، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية وقال : " اتقوا الله حق تقاته ، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم ، فكيف بمن يكون طعامه ؟ " . وقوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } ، قال ابن عباس : يعني شرب الحميم على الزقوم ، وعنه : { شَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } مزجاً من حميم ، وقال غيره : يعني يمزج لهم الحميم بصديد وغساق ، مما يسيل من فروجهم وعيونهم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " يقرب - يعني إلى أهل النار - ماء فيتكرهه ، فإذا أدني منه شوى وجهه ، ووقعت فروة رأسه فيه ، فإذا شربه قطع أمعاءه ، حتى تخرج من دبره " وروى ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال : " إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم ، فأكلوا منها فاختلست جلود وجوههم ، فلو أن ماراً مر بهم يعرفهم لعرفهم بوجوههم فيها ، ثم يصب عليهم العطش ، فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل ، وهو الذي قد انتهى حره ، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم ، التي سقطت عنها الجلود ويصهر ما في بطونهم ، فيمشون تسيل أمعاؤهم ، وتتساقط جلودهم ثم يضربون بمقامع من حديد ، فيسقط كل عضو على حياله يدعون بالثبور " ، وقوله عزّ وجلّ : { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } أي ثم إن مردهم بعد هذا الفصل لإلى نار تتأجج ، وجحيم تتوقد ، وسعير تتوهج ، كما قال تعالى : { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [ الرحمٰن : 44 ] هكذا تلا قتادة هذه الآية عند هذه الآية ، وهو تفسير حسن قوي ، وكان عبد الله رضي الله عنه يقول : والذي نفسي بيده لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار . ثم قرأ : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ الفرقان : 24 ] . وقوله تعالى : { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } أي إنما جازيناهم بذلك لأنهم وجدوا آباءهم على الضلالة ، فاتبعوهم فيها بمجرد ذلك من غير دليل ولا برهان ، ولهذا قال : { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } قال مجاهد : شبَّهه بالهرولة ، وقال سعيد بن جبير : يسفهون .