Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 50-61)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن أهل الجنة أنه { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } أي عن أحوالهم وكيف كانوا في الدنيا ، وماذا كانوا يعانون فيها ، وذلك من حديثهم على شرابهم واجتماعهم في تنادمهم ، ومعاشرتهم في مجالسهم ، وهم جلوس على السرر ، والخدم بين أيديهم ، يسعون ويجيئون بكل خير عظيم ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } قال مجاهد : يعني شيطاناً ، وقال ابن عباس : هو الرجل المشرك يكون له صاحب من أهل الإيمان في الدنيا ، ولا تنافي بين كلام مجاهد وابن عباس رضي الله عنهما ، فإن الشيطان يكون من الجن فيوسوس في النفس ، ويكون من الإنس ، فيقول كلاماً تسمعه الأذنان ، وكلاهما يتعاونان ، قال الله تعالى : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [ الأنعام : 112 ] وكل منهما يوسوس ، كما قال الله عزّ وجلّ : { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ * ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ * مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [ الناس : 4ـ6 ] ولهذا : { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } أي أأنت تصدّق بالبعث والنشور ، والحساب والجزاء ؟ يعني يقول ذلك على وجه التعجب والتكذيب والاستبعاد ، والكفر والعناد { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } ؟ قال مجاهد والسدي : لمحاسبون ، وقال ابن عباس : لمجزيون بأعمالنا ، قال تعالى : { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } أي مشرفون ، يقول المؤمن لأصحابه وجلسائه من أهل الجنة { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } قال ابن عباس والسدي : يعني في وسط الجحيم ، وقال الحسن البصري : في وسط الجحيم كأنه شهاب يتقدم ، وقال قتادة : ذكر أنه اطلع فرأى جماجم القوم تغلي ، وقال كعب الأحبار : في الجنة كوى ، إذا أراد أحد من أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار ، اطلع فيها فازداد شكراً لله ، { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } يقول المؤمن مخاطباً للكافر : والله إن كدت لتهلكني لو أطعتك ، { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } أي ولولا فضل الله عليّ لكنت مثلك في سواء الجحيم ، محضر معك في العذاب ، ولكنه رحمني فهداني للإيمان ، وأرشدني إلى توحيده { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } [ الأعراف : 43 ] . وقوله تعالى : { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } ؟ هذا من كلام المؤمن ، مغتبطاً نفسه بما أعطاه الله تعالى ، من الخلد في الجنة والإقامة في دار الكرامة ، بلا موت فيها ولا عذاب ، ولهذا قال عزّ وجلّ : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } . قال الحسن البصري : علموا أن كل نعيم فإن الموت يقطعه ، فقالوا : { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } ؟ قيل : لا ، { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } . وقوله جلّ جلاله : { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } قال قتادة هذا من كلام أهل الجنة ، وقال ابن جرير : هو من كلام الله تعالى ، ومعناه : لمثل هذا النعيم وهذا الفوز فليعمل العاملون في الدنيا ليصيروا إليه في الآخرة . قال السدي : كان شريكان في بني إسرائيل ، أحدهما مؤمن والآخر كافر ، فافترقا على ستة آلاف دينار ، لكل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار ، ثم افترقا فمكثا ما شاء الله تعالى أن يمكثا ، ثم التقيا ، فقال الكافر للمؤمن : ما صنعت في مالك ؟ أضربت به شيئاً ، اتجرت به في شيء ؟ قال له المؤمن : لا ، فما صنعت أنت ؟ فقال اشتريت به أرضاً ونخلاً وثماراً وأنهاراً بألف دينار - قال - فقال له المؤمن : أو فعلت ؟ قال : نعم ، قال : فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله تعالى أن يصلي ، فلما انصرف أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه ، ثم قال : اللهم إن فلاناً - يعني شريكه الكافر - اشترى أرضاً ونخلاً وثماراً وأنهاراً بألف دينار ثم يموت غداً ويتركها . اللهم إني اشتريت منك بهذه الألف دينار أرضاً ونخلاً وثماراً وأنهاراً في الجنة ، قال : ثم أصبح فقسمها في المساكين ، قال : ثم مكثا ما شاء الله تعالى أن يمكثا ، ثم التقيا ، فقال الكافر للمؤمن : ما صنعت في مالك أضربت به في شيء ؟ أتجرت به في شيء ؟ قال : لا ، قال : فما صنعت أنت ؟ قال : كانت ضيعتي قد اشتد عليَّ مؤنتها ، فاشتريت رقيقاً بألف دينار ، يقومون لي فيها ويعملون لي فيها ، فقال له المؤمن : أو فعلت ؟ قال : نعم ، قال : فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء تعالى أن يصلي ، فلما انصرف أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه ثم قال : اللهم إن فلاناً - يعني شريكه الكافر - اشترى رقيقاً من رقيق الدنيا بألف دينار يموت غداً فيتركهم أو يموتون فيتركونه ، اللهم إني اشتريت منك بهذه الألف دينار رقيقاً في الجنة ، قال : ثم أصبح ، فقسمها في المساكين قال : ثم مكثا ما شاء الله تعالى أن يمكثا ، ثم التقيا ، فقال الكافر للمؤمن : ما صنعت في مالك أضربت به في شيء ، أتجرت به في شيء ؟ قال : لا ، فما صنعت أنت ؟ قال : كان أمري كله قد تم إلا شيئاً واحداً ، فلانة قد مات عنها زوجها فأصدقتها ألف دينار ، فجاءتني بها ومثلها معها ، فقال له المؤمن : أو فعلت ؟ قال : نعم ، قال : فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله تعالى أن يصلي ، فلما انصرف أخذ الألف دينار الباقية فوضعها بين يديه ، وقال : اللهم إن فلاناً - يعني شريكه الكافر - تزوج زوجة من أزواج الدنيا بألف دنيار ، فيموت غداً فيتركها أو تموت غداً فتتركه ، اللهم وإني أخطب إليك بهذه الألف دينار حوراء عيناء في الجنة - قال - ثم أصبح فقسهما بين المساكين - قال - فبقي المؤمن ليس عنده شيء ، فخرج شريكه الكافر وهو راكب ، فلما رآه عرفه ، فوقف عليه وسلم عليه وصافحه ، ثم قال له : ألم تأخذ من المال مثل ما أخذت ؟ قال : بلى ، قال : وهذه حالي وهذه حالك ؟ قال : أخبرني ما صنعت في مالك ؟ قال : أقرضته ، قال : من ؟ قال : المليء الوفي ، قال : من ؟ قال : الله ربي ، قال ، فانتزع يده من يده ، ثم قال : { أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ * أَْءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } ؟ قال السدي : محاسبون ، قال : فانطلق الكافر وتركه ، فلما رآه المؤمن وليس يلوي عليه رجع وتركه وجعل يعيش المؤمن في شدة من الزمان ، ويعيش الكافر في رخاء من الزمان ، قال : فإذا كان يوم القيامة وأدخل الله تعالى المؤمن الجنة ، يمر فإذا هو بأرض ونخل وثمار وأنهار فيقول : لمن هذا ؟ فيقال : هذا لك ، فيقول : يا سبحان الله ، أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا ؟ قال ، ثم يمر ، فإذا هو برقيق لا تحصى عدتهم ، فيقول : لمن هذا ؟ فيقال : هؤلاء لك ، فيقول : يا سبحان الله أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا ؟ قال : ثم يمر ، فإذا هو بقبة من ياقوتة حمراء مجوفة فيها حوراء عيناء ، فيقول : لمن هذه ؟ فيقال : هذه لك ، فيقول : يا سبحان الله أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا ؟ قال : ثم يذكر المؤمن شريكه الكافر ، فيقول : { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } ، قال : فالجنة عالية ، والنار هاوية ، قال : فيريه الله تعالى شريكه في وسط الجحيم من بين أهل النار ، فإذا رآه المؤمن عرفه ، فيقول : { تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } بمثل ما قد مُنَّ عليه ، قال : فيتذكر المؤمن ما مر عليه في الدنيا من شدة ، فلا يذكر مما مر عليه في الدنيا من الشدة أشد عليه من الموت .