Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 88-98)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إنما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه ذلك ، ليقيم في البلد إذا ذهبوا إلى عيدهم ، فإنه كان قد أزف خروجهم إلى عيدهم ، فأحب أن يختلي بآلهتهم ليكسرها ، فقال لهم كلاماً هو حق في نفس الأمر ، فهموا منه أنه سقيم على مقتضى ما يعتقدونه ، { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } . قال قتادة : والعرب تقول لمن تفكر : نظر في النجوم ، يعني قتادة أنه نظر إلى السماء متفكراً فيما يلهيهم به ، فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } أي ضعيف ، فأما قوله عليه السلام : " لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام غير ثلاث كذبات : ثنتين في ذات الله تعالى ، قوله : [ { إِنِّي سَقِيمٌ } ، وقوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } ، وقوله في سارة : ( هي أختي ) ] " فهو حديث مخرج في الصحاح والسنن ، ولكن ليس من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله حاشا وكلا ؛ وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني كما جاء في الحديث : " إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب " قال ابن المسيب : رأى نجماً طلع فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } كابد نبي الله عن دينه { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } وقيل : أراد { إِنِّي سَقِيمٌ } أي مريض القلب من عبادتكم الأوثان من دون الله تعالى ، وقال الحسن البصري : خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم فأرادوه على الخروج ، فاضطجع على ظهره وقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } وجعل ينظر في السماء ، فلما خرجوا أقبل إلى آلهتهم فكسرها ، ولهذا قال تعالى : { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } ، وقوله تعالى : { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } أي ذهب إليها بعد ما خرجوا في سرعة واختفاء ، { فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } ؟ وذلك أنهم كانوا قد وضعوا بين أيديها طعاماً قرباناً لتبرّك لهم فيه ، قال السدي : دخل إبراهيم عليه السلام إلى بيت الآلهة ، فإذا هم في بهو عظيم ، وإذا مستقبل باب البهو صنم عظيم ، إلى جنبه أصغر منه ، بعضها إلى جنب بعض ، كل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو ، وإذا هم قد جعلوا طعاماً ووضعوه بين أيدي الآلهة ، وقالوا : إذا كان حين نرجع وقد برّكت الآلهة في طعامنا أكلناه ، فلما نظر إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى ما بين أيديهم من الطعام قال : { أَلا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } ، وقوله تعالى : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } قال الفراء : معناه مال عليهم ضرباً باليمين ، وقال قتادة والجوهري : فأقبل عليهم ضرباً باليمين ؛ وإنما ضربهم باليمين لأنها أشد وأنكى ، ولهذا تركهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون ، كما تقدم في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تفسير ذلك . وقوله تعالى هٰهنا : { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } قال مجاهد : أي يسرعون ، فلما جاءوا ليعاتبوه أخذ في تأنيبهم وعيبهم فقال : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } ؟ أي أتعبدون من دون الله من الأصنام ما أنتم تنحتونها وتجعلونها بأيديكم . { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } يحتمل أن تكون ( ما ) مصدرية ، فيكون الكلام : خلقكم وعملكم ، ويحتمل أن تكون بمعنى ( الذي ) تقديره والله خلقكم والذي تعملونه ، وكلا القولين متلازم ، والأول أظهر ، لما رواه البخاري عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً قال : " إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته " فعند ذلك لما قامت عليهم الحجة عدلوا إلى أخذه باليد والقهر فقالوا : { ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } ، وكان من أمرهم ما تقدم بيانه في سورة الأنبياء ، ونجّاه الله من النار ، وأظهره عليهم ، وأعلى حجته ونصرها ، ولهذا قال تعالى : { فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ } .