Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 41-44)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يذكر تبارك وتعالى عبده ورسوله ( أيوب ) عليه الصلاة والسلام ، وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده ، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليماً سوى قلبه ، ولم يبق له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه ، غير أن زوجته حفظت وده لإيمانها بالله تعالى ورسوله ، فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه ، نحواً من ثماني عشرة سنة ، وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولاد وسعة طائلة من الدنيا ، فسلب جميع ذلك حتى رفضه القريب والبعيد سوى زوجته رضي الله عنها فإنها كانت لا تفارقه صباحاً ومساء إلا بسبب خدمة الناس ثم تعود إليه قريباً ، فلما طال المطال ، واشتد الحال ، وانتهى القدر ، وتم الأجل المقدر تضرع إلى رب العالمين وإلٰه المرسلين فقال : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ الأنبياء : 83 ] ، وفي هذه الآية الكريمة قال { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } قيل : { بِنُصْبٍ } في بدني و { وَعَذَابٍ } في مالي وولدي ، فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين ، وأمره أن يقوم من مقامه ، وأن يركض الأرض برجله ، ففعل ، فأنبع الله تعالى عيناً وأمره أن يغتسل منها ، فأذهبت جميع ما كان في بدنه من الأذى ، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر ، فأنبع له عيناً أخرى ، وأمره أن يشرب منها ، فأذهبت جميع ما كان في باطنه من السوء ، وتكاملت العافية ظاهراً وباطناً ؛ ولهذا قال تبارك وتعالى : { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } . روى ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن أنَس بن مالك رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام لبث في بلائه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين كانا من أخص إخوانه به ، كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد في العالمين ، قال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله تعالى ، فيكشف ما به ، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب عليه الصلاة والسلام : لا أدري ما تقول غير أن الله عزّ وجلّ يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان ، فيذكران الله تعالى ، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في حق ، قال : وكان يخرج إلى حاجته ، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى أيوب عليه الصلاة والسلام أن : { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فاستبطأته ، فالتفتت تنظر ، فأقبل عليها ، قد أذهب الله ما به من البلاء ، وهو على أحسن ما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك ، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ، فوالله القدير على ذلك ، ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً ، قال : فإني أنا هو " . وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما أيوب يغتسل عرياناً خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب عليه الصلاة والسلام يحثو في ثوبه ، فناداه ربه عزَّ وجلَّ : يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال عليه الصلاة والسلام : بلى يا رب ، ولكن لا غنى بي عن بركتك " ، ولهذا قال تبارك وتعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } قال الحسن وقتادة : أحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم ، وقوله عزّ وجلّ " { رَحْمَةً مِّنَّا } أي به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته ، { وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي لذوي العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج ، وقوله جلَّت عظمته : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } وذلك أن أيوب عليه الصلاة والسلام كان قد غضب على زوجته ووجد في أمر فعلته ، وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة ، فلما شفاه الله عزّ وجلّ وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب ، فأفتاه الله عزّ وجلّ أن يأخذ { ضِغْثاً } وهو الشمراخ فيه مائة قضيب ، فيضربها به ضربة واحدة ، وقد برت يمينه ، وخرج من حنثه ووفى بنذره ، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه ، ولهذا قال جلّ وعلا : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه { نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي رجَّاع منيب ؛ ولهذا قال جلّ جلاله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 2 - 3 ] الآية واستدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الإيمان والله أعلم .