Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 34-40)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } أي اختبرناه بأن سلبناه الملك ، { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً } . قال ابن عباس والحسن وقتادة : يعني شيطاناً ، { ثُمَّ أَنَابَ } أي رجع إلى ملكه وسلطانه وأبهته ، قال ابن جرير : وكان اسم ذلك الشيطان صخراً ، وقيل : آصف ، { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } قال بعضهم : معناه لا ينبغي لأحد من بعدي أي لا يصلح لأحد أن يسلبنيه بعدي ، والصحيح أنه سأل من الله تعالى ملكاً لا يكون لأحد من بعده من البشر مثله ، وهذا هو ظاهر السياق من الآية ، وبذلك وردت الأحاديث الصحيحة من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال البخاري عند تفسير هذه الآية ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن عفريتاً من الجن تفلت عليَّ البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله تبارك وتعالى منه ، وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم ، فذكرت قول أخي سليمان عليه الصلاة والسلام : { رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ } " قال روح : فرده خاسئاً . وروى مسلم في " صحيحه " عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعناه يقول : " أعوذ بالله منك ، ثم قال : ألعنك بلعنة الله " ثلاثاً ، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن عدوّ الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ، فقلت : أعوذ بالله منك ثلاث مرات ، ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة ، فلم يستأخر ثلاث مرات ، ثم أردت أن آخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به صبيان أهل المدينة " " . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يصلي صلاة الصبح ، وأنا خلفه فقرأ ، فالتبست عليه القراءة ، فلما فرغ من صلاته قال : " لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي ، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين الإبهام والتي تليها ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة ، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل " " . وقوله تبارك وتعالى : { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } قال الحسن البصري : لما عقر سليمان عليه الصلاة والسلام الخيل غضباً لله عزّ وجلّ ، عوّضه الله تعالى ما هو خير منها وأسرع الريح التي غدوها شهر ورواحها شهر ، وقوله جل وعلا : { حَيْثُ أَصَابَ } أي حيث أراد من البلاد ، وقوله جل جلاله : { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } أي منهم ما هو مستعمل في الأبنية الهائلة من محاريب وتماثيل إلى غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يقدر عليها البشر ، وطائفة غواصون في البحار يستخرجون ما بها من اللآلىء والجواهر والأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها ، { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } أي موثوقون في الأغلال والأكبال ممن تمرد وعصى ، وامتنع من العمل وأبى ، أو قد أساء في صنيعه واعتدى ، وقوله عزّ وجلّ : { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي هذا الذي أعطيناك من الملك التام والسلطان الكامل كما سألتنا ، فأعط من شئت ، واحرم من شئت ، لا حساب عليك ، أي مهما فعلت فهو جائز لك ، وقد ثبت في " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خيِّر بين أن يكون ( عبداً رسولاً ) ، وبين أن يكون ( نبياً ملكاً ) يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، بلا حساب ولا جناح ، اختار المنزلة الأولى بعد ما استشار جبريل عليه السلام ، فقال له : تواضع فاختار المنزلة الأولى ، لأنها أرفع قدراً عند الله عزّ وجلّ وأعلى منزلة في المعاد ، وإن كانت المنزلة الثانية وهي النبوة مع الملك عظيمة أيضاً في الدنيا والآخرة ، ولهذا لما ذكر تبارك وتعالى ما أعطى سليمان عليه الصلاة والسلام في الدنيا نبه تعالى أنه ذو حظ عظيم عند الله يوم القيامة أيضاً ، فقال تعالى : { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ } أي في الدار الآخرة .