Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 116-122)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد تقدم الكلام على هذه الآية الكريمة وهي قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ } الآية ، وذكرنا ما يتعلق بها من الأحاديث في صدر هذه السورة وقد روى الترمذي عن علي رضي الله عنه أنه قال : ما في القرآن آية أحب إليّ من هذه الآية : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية . وقوله : { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } أي فقد سلك غير الطريق الحق وضل عن الهدى وبعد عن الصواب وأهلك نفسه ، وخسرها في الدنيا والآخرة ، وفاتته سعادة الدنيا والآخرة وقوله : { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً } ، عن عائشة قالت : أوثاناً ، وقال ابن جرير عن الضحاك في الآية قال المشركون للملائكة : بنات الله ، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، قال : فاتخذوهن أرباباً وصوروهن جواري فحكموا وقلدوا ، وقالوا : هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده يعنون الملائكة وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } [ النجم : 19 ] وقال تعالى : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } [ الزخرف : 19 ] ، وقال : { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } [ الصافات : 158 ] وقال ابن عباس { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً } قال : يعني موتى ، وقال الحسن : الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح ، إما خشبة يابسة ، وإما حجر يابس ، وقوله : { وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } أي هو الذي أمرهم بذلك وحسنه وزينه لهم وهم إنما يعبدون إبليس في نفس الأمر كما قال تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [ يس : 60 ] الآية ، وقال تعالى إخباراً عن الملائكة أنهم يقولون يوم القيامة عن المشركين الذي ادعوا عبادتهم في الدنيا { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [ سبأ : 41 ] وقوله : { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } أي طرده وأبعده من رحمته ، وأخرجه من جواره وقال : { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } أي معيناً مقدراً معلوماً ، قال قتادة من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة { وَلأُضِلَّنَّهُمْْ } أي عن الحق { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } أي أزين لهم ترك التوبة ، وأعدهم الأماني ، وآمرهم بالتسويف والتأخير ، وأغرهم من أنفسهم . قوله : { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ ٱلأَنْعَامِ } قال قتادة : يعني تشقيقها وجعلها سمة ، وعلامة للبحيرة والسائبة والوصيلة { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } قال ابن عباس : يعني بذلك خصي الدواب ، وقال الحسن البصري : يعني بذلك الوشم ، وفي صحيح مسلم النهي عن الوشم في الوجه ، وفي لفظ ، لعن الله من فعل ذلك . وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والنامصات والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عزَّ وجلَّ ، ثم قال : ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عزَّ وجلَّ يعني قوله : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] . وقال ابن عباس في رواية عنه ومجاهد والضحاك في قوله : { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } يعني دين الله عزَّ وجلَّ وهذا كقوله : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } [ الروم : 30 ] على قول من جعل ذلك أمراً أي لا تبدلوا فطرة الله ودعوا الناس على فطرتهم كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ؛ أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تجدون بها من جدعاء " ؟ وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عزَّ وجلَّ : إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم " ثم قال تعالى : { وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } أي فقد خسر الدنيا والآخرة وتلك خسارة لا جبر لها ولا استدراك لفائتها . وقوله تعالى : { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } وهذا إخبار عن الواقع فإن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم بأنهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة ، وقد كذب وافترى في ذلك ، ولهذا قال الله تعالى : { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } ، كما قال تعالى مخبراً عن إبليس يوم المعاد : { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } [ إبراهيم : 22 ] إلى قوله : { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ إبراهيم : 22 ] . وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ } أي المستحسنون له فيما وعدهم ومنَّاهم { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أي مصيرهم ومآلهم يوم القيامة { وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } أي ليس لهم عنها مندوحة ولا مصرف ، ولا خلاص ، ولا مناص ، ثم ذكر تعالى حال السعداء والأتقياء وما لهم من الكرامة التامة فقال تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ النساء : 57 ] أي صدقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات ، وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ النساء : 57 ] أي يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أي بلا زوال ولا انتقال { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } أي هذا وعد من الله ووعد الله معلوم حقيقة أنه واقع لا محالة ، ولهذا أكده بالمصدر الدال على تحقيق الخبر وهو قوله { حَقَاً } ثم قال تعالى : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } ؟ أي لا أحد أصدق منه قولاً أي خبراً لا إله إلا هو ولا رب سواه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : " إن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار " .