Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 160-162)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى أنه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة حرم عليهم طيبات كان أحلها لهم ، كما قال ابن أبي حاتم عن عمرو ، قال قرأ ابن عباس : ( طيبات كانت أحلت لهم ) وهذا التحريم قد يكون ( قدرياً ) بمعنى أنه تعالى قيضهم لأن تأولوا في كتابهم ، وحرَّفوا وبدلوا أشياء كانت حلالاً لهم ، فحرموها على أنفسهم تشديداً منهم على أنفسهم وتضييقاً وتنطعاً ، ويحتمل أن يكون ( شرعياً ) بمعنى أنه تعالى حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلالاً لهم قبل ذلك ، كما قال تعالى : { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ } [ آل عمران : 93 ] . وقد قدمنا الكلام على هذه الآية وأن المراد أن الجميع من الأطعمة كانت حلالاً لهم ، من قبل أن تنزل التوراة ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل وألبانها . ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة ، كما قال في سورة الأنعام : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } [ الآية : 146 ] ، أي إنما حرمنا عليهم ذلك لأنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ، ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه ، ولهذا قال : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً } ، أي صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق ، وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه ، ولهذا كانوا أعداء الرسل ، وقتلوا خلقاً من الأنبياء ، وكذبوا عيسى ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهما . وقوله تعالى : { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } ، أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه ، وأكلوا أموال الناس بالباطل ، قال تعالى : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } ، ثم قال تعالى : { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ } أي الثابتون في الدين ، لهم قدم راسخة في العلم النافع ، { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } عطف على الراسخين ، وخبره { يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } ، قال ابن عباس : أنزلت في عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعيه وأسد بن سعيه وأسد بن عبيد الذين دخلوا في الإسلام وصدقوا بما أرسل الله به محمداً صلى الله عليه وسلم . وقوله تعالى : { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } هكذا ، هو في جميع مصاحف الأئمة وكذا هو في مصحف ( أبي بن كعب ) ، وذكر ابن جرير أنها في مصحف ابن مسعود { والمقيمون الصلاة } ، قال : والصحيح قراءة الجميع ، رد على من زعم أن ذلك من غلط الكتاب ، ثم ذكر اختلاف الناس ، فقال بعضهم : هو منصوب على المدح ، كما جاء في قوله : { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّاءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } [ البقرة : 177 ] ، قال وهذا سائغ في كلام العرب كما قال الشاعر : @ لا يبعدن قومي الذن همو أسد العداة وآفة الجزر النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأزر @@ وقال آخرون : هو مخفوض عطفاً على قوله : { بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } ، يعني وبالمقيمين الصلاة ، وكأنه يقول : وبإقامة الصلاة التي يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم . وقوله : { وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال ، ويحتمل زكاة النفوس ، ويحتمل الأمرين والله أعلم ، { وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي يصدقون بأنه ( لا إله إلا الله ) ويؤمنون بالبعث بعد الموت ، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها ، وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ } هو الخبر عما تقدم ، { سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } يعني الجنة .